Skip to main content

Full text of "كتاب الحقيقة"

See other formats




صدر 
ل لسلة دفاتر فا نة 


الحداثة 

7 
حقوق الانسان 

8 

الويديولوجيا 

9 
العقل والعقلانية 

10 

العقلانية وانتقاداتها 


دفاتر فا فية 


الحفيقة 


إعداد وترجمة 
نوت نل سس تناه وعبد السلام بنعبد العالي 


دار توبقال للنشر 
عمارة معهد ال لعسيم ال لتطبيقي, ساحة محطة القطار 
بلفدير, الدارالبيضاء 20300 -المغرب 
الهاتف / الفاكس : 22.67.27.36 (212) 
الفاكس : 22.40.40.38 (212) 
الموقع : www.toubkal.ma‏ 
البريد الالكتر contact@toubkal.ma : qy‏ 


تم نشرٌ هذا الكتاب ضْمُن سِلسِلّة 
دقاتر قلسفيةه 


الطبعة الثانية 2005 
جميع الحقوق محفوظة 


الإبيداع القائري رقم : 2306/ 2005 
ردمك : 9954-409-76-9 


هه 


تمهيد 


يتضمن كل حديث عن الحقيقة تَوَثَراً ضمنياً بين الحقيقة (بصيغة المفرد وبألف لام 
التعريف) كمضمون واحد وثابت ومطلق» وبين الحقائق (الجزئية) من حيث هي 
قضايا جزئية أو نسبية في هذا الميدان أو ذاك» في هذا الحقل أو ذاك (الحقيقة العلمية 
الحقيقة البيولوحية ‏ الحقيقة الفنية الحقيقة في ميدان العلوم اللاجتماعية - في 
السياسة... إلخ)» في هذه الفترة أو تلك إلخ. فهل تحر الحقيقة وتفتتها ينتصبان 
حائلا دون إمكان الحديث عن الحقيقة بصورة عامة ؟ 

هذه أسئلة مشروعة ومطروحة فعلا في كل معالجة للحقيقة وهي تساعد على 
توضيح إشكالية الحقيقة باستخدام معايير تساعد على التمييز : بين الحقيقة المطلقة 
والحقيقة النسبية» بين الحقيقة الدقيقة والحقيقة التقريبية» بين الحقيقة اليقينية والحقيقة 
الترجيحية أو الاحتمالية أو الاحصائية» بين الحقيقة الكلية والحقائق الحزئية» بين 
الحقيقة المادية والحقيقة الصورية» بين الحقيقة العلمية والحقيقة الفنية والحقيقة 
الذيتة)::: إلخ» بين الحقيقة الذاتية والحقيقة المو ضوعية. إلا أن هذه التميزات» وإ 
ساعدتنا على تبين مفاصل ومستويات الحقيقة» فإنها لا تساعدنا ما يكفى على 
التعرف على مدلول الحقيقة إن لم نقارن مدلولها.>مصطلحات قريبة منها وكثيرا ما 
تختلط بها كالعلاقة بين الحقيقة والواقع» والحقيقة والبداهة. 

ولعل مدلول الحقيقة يتجلى بشكل أوضح مع التعرف على ما يشكل نقيض 
الحقيقة... موضوعا ومنهجا (الخطأء الوهم» الشك)» بل إن هذه المقاربة السلبية 
للحقيقة ستفتح أمامنا إمكانية التساول عما إذا كانت هذه المقابلات (النطأء الوه 
الشك) تمثل لا فقط نقائض للحقيقة بل شرائط ومقدمات بل أرضية لها. وكأن 


الحقيقة لا تنبئق إلا على أرضية من الخطأ والوهم والشكء أو كأنها نفي مستمر لها. 
بل إن نصوص الباب الثاني تساعدنا وخاصة مع نصوص (نيتشه وفرويد) على 
الإمعان في التساؤل عما إذا لم تكن الحقيقة بحرد أخطاء نافعة وأوهام مفيدة» أي عما 
إذا كان ما ندعوه نقائض أو اللاحقيقة ليس فقط مقدمة وشرطا للحقيقة» بل 
الأرضية التي تنبثق عليها الحقيقة ونسيجها الوجودي ومادتها الحية. 

في البابين الأول والثاني نكون قد تقدمنا قليلا في التعرف على مدلول الحقيقة: 
وفي إيجاد تعريف ‏ ولو سلبي - لها وبذلك ننتقل إلى عرض النظريات الكبرى في 
تاريخ الفلسفة حول مسألة الحقيقة» مبتدئين بعرض النظرية التقليدية حول الحقيقة 
ل لوو و ا و ا 
لوسط السلمون 0 سينا) وا ن (توماس الاكوني) كط بن العقل 

ل ل 
توسيع وتنسيب مفهوم الحقيقة» فالحقيقة لدى نيتشه هي محرد أوهام و أخطاء مفيدة 
فى خدمة تيار الحياة المتدفق من جحهة» كما أنها من الزاوية المعرفية محرد منظور 
يعكس موقع ورؤية بل إرادة قوة صاحبه»وبالإضافة إلى ربطها بالصراع الأساس 
بين رويتين للحياة : روية وأخلاق السادة وروية وأخلاق المستضعفين. لقد تحولت 
الحقيقة مع نيتشه إلى قيمة أخلاقية في خدمة الحياة وأصبح ينظر إليها من خلال 
الفائدة والمنظور وصراع ارادات القوة»وبذلك فقد معه المفهوم فلسيته وبراءته 
وأصبح مندرجا في لعبة القوى ومنظورات الصراع والتدفق الحيوي» وهو ما سنجد 
صدى له في التصور البراغماتي للحقيقة كشيئ نافع ومفيد. 

أما مع هيدجر فسيحصل تحول كبير آخر في تصور الحقيقة. فقد وجه هذا 
الفيلسوف عدة انتقادات للنظرية التقليدية حول الحقيقة كتطابق من حيث إنها تضع 
الحقيقة في الحكم؛ وتجعل أحد معايير الحقيقة (التطابق) مثابة ماهية للحقيقة, كما 
كشف عن الأساس اللاهوتي لهذه النظرية والمتمثل في أن ضمان وأساس الحقيقة 


كتطابق بين العقل (الخلوق) والأشياء (الخلوقة) هو تطابق الأشياء (الخلوقة) مع العقل 
(الالهي). 

وبذلك يمهد هيدجر النظرية حول الحقيقة كانكشاف محدثا انتقالا كبيرا من 
تناول مسألة الحقيقة في إطار معرفي يعتبرها مثابة صواب التمثل الذاتي وتوافقه مع 
موضوعه إلى تناولها في سياق انطولوجي. لا يهتم فقط .ممعيار الحقيقة (عدم التناقض 
بالنسبة للقضايا الصورية والتطابق بالنسبة للقضايا المادية). فالحقيقة عند هيدجر هى 
ترك الأشياء توجد وتعبر عن ذاتها وتكشف نفسها. ومن ثمة فإن جوهر الحقيقة هو 
ا 

والمقصود بالحرية هنا هو ترك الأشياء تكون ما تكونه» تر كها تكشف عن نفسها 
دون إكراه أو إلزام. الحرية هنا هي الترك والعرضء والوجود المنفتح للأشياء. 
أنطولوجي (ممصطلحات شبه صوفية كالانكشاف والانفتاح ونور الوحود...) 
عليها. حاولنا الإطلال بعد ذلك على إسهام بعض العلوم الأخرى الايستمولوجيا 

فالنصوص الابستيمولوجية تحاول الإجابة عن سمات الحقيقة العلمية من حيث 
هي حقيقة مشروطة ونسبية وخاضعة للاختبار المستمر وللتعديل المستمر كما أن 
الايديولوجيا عن الحقيقة... إلخ 

ونختم بإيراد نصوص تتعلق بالشروط المعرفية والخطابية والمؤسسية لانتاج 
وتداول الحقيقة في مجتمع بعينه» اعتبارأ لأن الحقيقة هي موضو ع صراع حيث يفرد 

لها امجتمع هيئات خاصة بإنتاحها وتوزيعها وينظم عمليةتداولها عبر مئسسات 
الخطابات المتعلقة بالحقيقة لاستبعادات وأنواع من القسمة. 


فإذا كانت النصوص الواردة في البابين الأول والثاني تساعدنا على إيجاد 
تعريف تقريبي أو سلبي للحقيقة وإذا كان البابان الثالث والرابع يعرضان علينا 
النظريات الختلفة حول الحقيقة» فإن القسم الأخير من الباب الثالث يوسع إشكالية 
الحقيقة بربطها بالإيديولوجيا أو بالعلم أو بالسلطة ويبرز التيارات الفكرية 
والاجتماعية والسياسية لمفهوم الحقيقة. 
لتمييز الحقيقة. فمعيار الحقيقة فيما يتعلق بالقضايا والأقوال التي تحيل على الواقع أو 
تشير إليه هو التطابق» ومعيار الحقيقة فيما يتعلق بالصدق الداخلي لنظومة القضايا 
والأقوال التي لا تحيل إلى واقع عيني كما في الرياضيات والمنطق الصوري هو 
الإساق أو التناسق (coherence)‏ والمعيار العلمي الإضافي للحقيقة هو الفائدة أو 
المنفعة المباشرة أو غير المباشرة. 

لكن النقدالنيتشوي والفوكوي ينزع عن الحقيقة اطلاقيتها وقدسيتها لِيُظهرها كقيم 
تم إقرارها من طرف إرادة مسيطرة أو إرادة حقيقة مهيمنة. فالحقيقة ليست شيئا في ذاته 
بل هي القيمة التي تنسبها إليها إرادة قوة أو إرادة معرفة. وبذلك تنزل الحقيقة من 
سموها لتصبح لعبة قوى وصراع إرادات هيمنة» وصراع رغبات» وتصالب أوهام. 
اللصوص تقدم لنا علامات الحقيقة (البداهة» الوضوح) وبعضها تتحدث عن معايير 
الحقيقة (التطابق ‏ الاتساق ‏ الفائدة)» وبعضها يتحدث عن معنى أو ماهية الحقيقة 
(التقييم الظهور والانكشاف والحرية)» وبعضها يحدثنا عن مستويات ودرجات 
الحقيقة (الحقيقة المطلقة والحقيقة النسبية) أو ميادين ومستويات الحقيقة أو مدارات 
الصراع حول الحقيقة (السلطة العارية والسلطة الرمزية) وبالتالي استعمالات 
واستثمارات للحقيقة أو المؤسسات المنتجة للحقيقة (المؤسسات المعرفية 
والنسبي على الحقيقة كشيء لم يعد معطى بصورة نهائية وناجزة بل كشيء متحول 
هو دوما في طور الإنشاء والإعداد. 


1. هل الحقيقة ممكنة ؟ وبأي معنى ؟ 


1 هَل بإمكان الانسان أن يُدْرَكَ الحقيقّة ؟ 





إن أول سؤال يصادفنا هو : ما هو موضوع المنطق ؟ وأبسط وأوضح إجابة هي: 
موضو ع المنطق هو الحق... ط)٣‏ أو الحقيقة» وهي كلمة» كانت ولا تزال سامية 
ونبيلة. وسوف يظل البحث عن الحقيقة يوقظ حماس الإنسان ونشاطه ما بقي فيه 
عرق ينبض وروح يشعر. غير أننا قدنلتقي» في الحال» بالاعتراض الآتي : أنحن 
قادرون على معرفة الحقيقة ؟ إذ يبدو أن هناك ضربا من التنافر وعدم التجانس بيننا 
بوصفنا موجودات متناهية وبين الحقيقة التي هي مطلقة»وتبدأ الشكوك تظهر حول 
ما إذا كان يمكن أن يكون جسر بين المتناهي واللامتناهي. اللّه هو الحق وهو 
الحقيقة»فكيف يتسنى لنا أن نعرفه ؟ إن هذه المحاولة تتعارض فيما يبدو مع فضائل 
التواضع البشري وشعور الاإنسان بضالته". وهناك اخرون يتساؤلون عن استطاعتنا 


(1) قبل الرومانتيكيون أثناء ثورتهم ضد عقلانية القرن النامن عشر» وتمسك عصر التنوير بالعقل» 
وجهة نظر كانط القائلة بأن المعرفة هي معرفة الظاهر فحسب وأن العقل لا يستطيع أن يصل 
إلى معرفة الأشياء بذاتها. لكنهم ذهبوا إلى ترديد عبارة بسكالء التي تقول إن «للقلب مبرراته 
التي لا يعلم عنها العقل شيئا». المترجم. 


0 الحقيقة 


معرفة الحقيقة» وفي ذهنهم غرض آخر مختلف من التواضع. إنهم يريدون تبرير 
حياتهم ورضاهم وقناعتهم بغايات متناهية تافهة. والتواضع من هذا القبيل أمر 
يؤسف له حما. غير أن الزمن الذي كان الناس فيه يتساءلون : كيف يمكن لي أناء 
تلك الدودة الحقيرة التي تدب على الأرضء أن تكون قادرة على معرفة الحقيقة ؟ 
هذا الزمن ولّى وانتهى. وبدلا من ذلك أصبحنا نصادف زهوا وغرورا : إذ بدأ 
الناس يزعمون أنهم يتنفسون نسيم الحقيقة ذاتها دون أن يبذلوا أي جهد من 
جانبهم. وتملق انعضن المعلمين: الشبات بقولهم إنهم يملكون بحق الميلاد الطبيعي 
الحقيقة الدينية والأخلاقية©. وعلى نفس المنوال قيل إن الشيوخ يغرقون في الباطل 
فهم يغوصون ويتحجرون في قلبه. أما الشباب» كما يقول هولاء المعلمون» فهم 
يرون نور الفجر الساطع في الوقت الذي يقبع فيه جيل الشيوخ في مستنقع الحياة 
اليومية وما فيه من وحل وقذارة» وهم يعترفون بأن العلوم الجزئية الخاصة ينبغي لها 
يقينا» أن تُصقلء لكن بالوسائل التي تشبع مطالب الحياة الخارجية وحدها. وفي 
ذلك كله لا نحد أن التواضع هو الذي يشد الناس إلى الوراء ويبعدهم عن معرفة 
الحقيقة ودراستهاء وإنما اعتقادهم أنهم يقبضون على الحقيقة كاملة بالفعل. ولاشك 
أن الشباب يحملون معهم امال رفاقهم من الشيوخ» وعلى هذه الآمال يعتمد تقدم 
العلم والعالم في ان معا. غير أن هذه الآمال ألقيت على عاتق الشباب بشرط واحد 
فقط هو أن يأخذوا على عاتقهم بذل جهد العقل الشاق وعمله بدلا من بقائهم على 
ماهم عليه. 

ولا يزال لهذا التواضع في البحث عن الحقيقة وجه آخر : وهو الحياد المهذب 
نحو الحقيقة وعدم الاكتراث بها على نحو ما يظهر لنا في حوار بيلاطس مع المسيح 
عندما سأله : وما الحقيقة...؟ بنبرة رجحل قد وقف على العلم بكل شيء منذ أمد 


(2) تملق بعض الفلاسفة الشبان كما فعل فشته 7101378 مثلا الذي كان يضع آمال عمله الجديد 
في الشباب الذين لم تفسد ليونة الشيخوخة قوتهم الطبيعية. قارن ولاس ص 387 (المترجم). 
)3( إشارة إلى الحوار الذي دار بين بيلاطس والسيد المسيح الذي رواه يوحنا في انمليه. اللاصحاح 


0 


بعيد ثم يختتم حديثه بقوله : لاشيء يهم. وهو يعني نفس العبارة التي قالها سليمان 
: «الكل باطل». وعندما نصل إلى هذا الحد فإنه لن يبقى لدينا سوى غرور الذات. 
ومعرفة الحقيقة تعترضها عقبة إضافية هي الخوف والجين : فالعقل الكسول يجد من 
الطبيعي أن يقول :رخو ألاتدع لديك انطباعا باهتمامنا بدراسة الفلسفة, إننا حمًا 
سنكون سعداء أن OG‏ أن يتركنا 
على نحو ما كنا عليه قبل دراسته». فلدى الناس شعور بأن التفكير لابد أن يكون قد 
انحرف إلى الطريق الخطأ. لو أنه تحاوز نطاق أفكارنا وانطباعاتنا المألوفة. فهم, فيما يبدو 
يعتقدون أنهم سيكونون في بحر تتقاذفهم فيه أمواج الفكر هنا وهناك حتى ليبلغوا في 
النهاية بر الأمان في هذا المنظر المؤقت فيجدونه ضحلا تماما كماتركوه. وما يظهر أمامنا 
من هذه الصورة نراه في العالم» إذيمكن داخل هذه الحدود أن تظفر .معلومات متنوعة 
وإنحازات متعددة» وأن تصبح أستاذا في النظم الرسمية الروتينية» وأن تكون مدربا على 
اس م اويا E‏ 
أن تكرس طاقتك ونشاطك لخدمتها. وفي استطاعتنا أن نأمل» في أيامنا هذه في أن شيئا 
أفضل قد انبثق بين الشباب يجعلنا نأمل أنهم لن يقنعوا بالقشرة الحض من المعرفة الخار حية. 
هيجل : موسوعة العلوم الفلسفية. تر حمة إ. ع. إمام. القاهرة» 1985. 


1 الحقيقة معيارٌ ذاتها 





لمعن ايه ار« جد رتفي لمكن لكان لدية” فكرة حقيقية ولا يمكن 


(4) العبارة التي تتردد بكثرة. في سفر الجامعة المنسوب إلى سليمان. قارن في الإصحاح الأول 
«باطل الأباطيل. الكل باطل وقبض الريح...»» 21 22 14. والعبارة نفسها في اللإصحاح الثاني 
عدد 11 و 17... الخ. (المترجم). 


إذ أنه لا أحد تكون لديه فكرة حقيقية ويجهل أن الفكرة الحقيقية تضم أعلى 
درجة من الحقيقة ؛ فأن تكون لدى المرء فكرة حقيقية» فعلاء فإن ذلك لا يعني إلا أنه 
في ذلك. اللهم إلا إذا اعتقد أن الفكرة هي شيء صامت مثل لوحة موضوعة على 
مبرز وليست نمطا من التفكير» أي من فعل التفكير ذاته. وأنا أتساءل : من ذا الذي 
يستطيع أن يعلم أنه يعرف شيئا من الأشياء إذا لم يكن يعرف هذا الشيء من قبل ؟ أو 
بعبارة أخرى : من يستطيع أن يعلم أنه موقن من الشيء إذا لم يكن متأكدا من قبل من 
هذا الشيء ؟ ومن ناحية أخرى : ما الذي يمكن أن يكون أكثر وضوحا وأكثر يقينا من 
الفكرة الحقيقية» التي هي معيار الحقيقة ؟ حقاء مثلما أن النور يعرف بنفسه ويعرّف 
بالظلمات» فإن الحقيقة هي معيار ذاتها ومعيار الخطأ. من هنا أعتقدٍ أني قد أجبت 
على الأسئلة التالية وهي أن نعرف كيف تتميز الفكرة الحقيقية ‏ من حيث إنه يقال 
عنها فقط إنها تتلاءم مع ذلك الشيء الذي هي فكرته ‏ عن الفكرة الخاطئة ؛ وكيف 
أن الفكرة الحقيقية لا تضم إذن أي واقع أو كمال أكثر من الفكرة الخاطئة» وبالتالي 
كيف أن الرجل الذي لديه أفكار حقيقية لا يتميز عن ذاك الذي لديه فقط أفكار 
خاطئة ؟ ومن أين تأتي فكرة أن للناس أفكارا خاطئة ؟ وأخيرا عن السؤال : من أين 
وأن أحبت عن هذه الأسئلة. أما فيما يخص الفارق القائم بين الفكرة الحقيقية 
والفكرة الخاطئة» فإن القضية رقم 35 (ومنطوقها هو : الخطأ يقوم في عدم المعرفة 
الذي تحتوي عليها الأفكار غير المطابقة أي المحتزأة والغامضة) تقرر أن العلاقة بينهما 
هي نفس العلاقة بين الوجود واللاوجود [...]. 

ومن ثمة يظهر أيضا الفارق بين إنسان يعتلك أفكارا حقيقية وإنسان لا يملك إلا 
أفكارا خاطتة. أما فيما يخص المسألة الأخيرة : من أين يمكن لإنسان ما أن يعرف 
بأن لديه فكرة تتلاءم مع موضوعهاء وقد بينت هما فيه الكفاية بأن ذلك نات فقط عن 
كونه يمتلك فكرة تتلاءم مع موضوعهاء أي أن الفكرة معيار ذاتها. أضف إلى ذلك 
أن نفسناء من حيث إنها تدرك الأشياء إدراكا حقيقياء هي جزء من الذهن الإلهي 


هل الحقيقة ممكنة وبأي معنى ؟ 13 


اللامتناهي [...]» وأنه من الضروري إذن أن تكون الأفكار الواضحة والمتميزة 
للنفس أفكارا حقيقية» وأن ذلك ضروري وملازم لأفكار الله. 


Spinoza : Ethique (1677) Ed. Flammarion, 1965, p. 117 - 118 


1 الحقيقة والبداهة 





إن الفهم المشترك أو الحس «السليم» يصر على مقتضيات النفع المباشر الملموس» 
ويكافح المعرفة .ماهية الوحود» وهي المعرفة الأساسية التي تسمى من قديم الزمان 
باسم «الفلسفة». 

والفهم العام يعمد إلى ذلك مدفوعا بضرورته الخاصة» فهو يؤكد حقه بالسلاح 
الوحيد الذي ععلكه. وهو الإهابة «ببداهة» دعاويه واعتراضاته. بيد أن الفلسفة لن 
تقدر أبدا على دحض الفهم العام.لأنه أصم عن لغتها. بل لا ينبغي لها أن تفكر في 
دحضه» لأن الفهم العام أعمى عن كل ما ترى أنه يمت للماهية بسبب. 

وفضلا عن ذلك فإننا نحصر أنفسنا داخل حدود المعقولية التي يتسم بها الفهم 
العام ما دمنا نتصور أننا نعيش آمنين وسط هذه «الحقائق» المتنوعة التى تمدنا بها 
تحربة الحياة والفعل والبحث العلمي والإبداع الفني والايمان الديني. إننا نشارك 
بأنفسنا في تمرد «البديهي» على كل ما يستحق أن يوضع موضع السؤال [...] 

إن هذا الفهم العام يهيب ببداهة الموجود المنكشف ويفسر كل تسال فكري 
(أو فلسفي) بأنه تهجم على الفهم السليم واعتداء على حساسيته المريبة: 

هيدجر : في ماهية الحقيقة.عن الترجمة العربية لعبد الغفار مكاوي. 
نداء الحقيقة ‏ القاهرة 1977. 


241 الحقيقة . كيف يمكن أن يخرج المرء من رأسه ؟ 


فرانسوا جورج 





«لقد عثرت على الحقيقة»» هذا هو ما يصرح به الصوفي لمن يحيطون به وهم 
مشدوهون؛ بحيث لا يرون في اندماجه إلا كونه انخراطا غير معقول في نوع من 
الجنون الجماعي. ولنسجل نحن أن الصوفي يتمسك بحقيقته تلك التي يمكن أن 
قدو للا خروة و و فهو لا يقول : «(وجدت السعادة والتوازن- 
أما الحقيقة فأنا في النهاية أتهكم منها». والكنيسة معتزة بامتلاكها للحقيقة حول 
العام وحول الإنسان» بفضل الاناجحيل كما يعتز اليهودي بالتلمود والمسلم بالقرآن» 
وكما يتباهى التروتسكي «ببرنامحه الانتقالي». حقا أن هذه الحقيقة المدعمة ضد 
الشكء هذه الحقيقة القائمة بعيدا عن البراهين» لا تشبه أبدا الحقيقة العلمية» التى هى 
حقيقة قابلة للبرهنة والاختبار والتي تقدم نفسها دوما على أنها حقيقة قابلة 
للتكذيب والرفض. لكن ما هو حال هذا الهوس بالحقيقة الذي يفرض نفسه بهذا 
الشكل في صلب الالتزام الوجداني ؟ 

إن ما هو حقيقي هو ما هو موحود» فالله مثلا هو الموجود الأسمى. و الببحث 
عن الحقيقة هو البحث عن الاتحاد مع الكائن الأسمى. والأمر هنا يعني محاول العودة 
إلى حالة تقارب مطلق معهاء قبل هذا الانفصال المهول الذي أحدث الذات الفردية 
في وحدتها وقلقها. وهكذا فالعثور على الحقيقة» با معنى الصوفي» هو التو صل إلى 
التخلص من الذات. 

كان المدرسيون يعرفون الحقيقة بأنها مطابقة الفكر للواقع. لكن هذا التعريف لما 
هو حقيقي لا يمكنني من التوصل الى ما هو حقيقي : إذ يتعين علي أن أخرج من 
أفكاري لأستطيع أن أقارنهاء من الخار ج» مع الكائن الذي أشهده بدون توسطهاء 
وذلك بالضبط هو موقف الصوفيء الذي يجعله وجده في حالة اتصال مباشر مع 
المطلق. لكن هذا أيضا هو موقف الماركسى الوثوقى : فمن حيث إنه متأكد من أنه 


هل الحقيقة ممكنة وبأي معنى ؟ 15 


يعرف ما هو موجود معرفة حقيقية ‏ أي علاقات الإنتاج ‏ فهو يظن أنه يرى في 
نفس الوقت الفكرة وما يسببها من الخارج» وفي حين أن فكره الخاص يعكس 
بالضبط المسار المادي» فإن فكر الآخرين ليس سوى إيديولوجيا تعكس مصالح 
طبقية. كذلك فإن الفرويدي المعتد بنفسه يتخيل أنه يطل على اللاشعور والشعور. 
وهكذا يضفي كل من ماركس وفرويد على نفسيهما صفة الاطلاق ليضمنا لنا 
بالضرورة تطابق أفكارنا مع الواقع الحقيقي. 

إني وأنا أبحث عن الحقيقة» إنما أبحث عن صخرة صلبة تحت رمال المظاهر : أود 
أن أتخطى تحربة التخلص من الوهم» التي فصلت الكائن في ذاته عن الكائن من 
أحلي أي ما هو موجود عما ليس موجودا في رأسي. إن ديكارت يضع محتوى فكره 
في غربال الشك ويكتشف في النهاية فكرة تصمد أمام كل اختبار : «أنا موجود». 
لكن هذه الحقيقة ‏ بدل أن تدعو حقائق أخرى إلى التشبه بها تؤكد المشكل من 
حيث إنها لا تخرج الذات من نفسها : ففي عمقها فقط يتطابق الفكر مع الكينونة. 

ما أن الفكر يسجنني فإني أستطيع أن أتملك نصيبي من هذا السجن وأقصر عالم 
الرموز على العقل : هكذا ستعرف الحقيقة على أنها عدم تناقض القضية المعبرة عنها 
مع المصادرات أو البديهيات الأولى» المتفق عليها عفويا في بداية البرهان.إن مسألة 
تلازم الخطاب مع الواقع الذي هو خارجه لن تبقى مسألة مطروحة. وتلك هي 
الحقيقة «الصورية» الخاصة بالمنطقي. لكن من أين ومن أية تحربة أصلية يستخلص 
المنطقي فكرة الحقيقة هاته التي أستخلصها تدريجيا. ومن ناحية أخرى فالفيزياء 
تستعيد إلى حد ما نظريات رياضية منشأة فقط بدلالة تناسقها الداخلى. 


التحديق في الشمس 

إننا نؤمن بقدرة الفكر على مجاوزة ذاته وعلى اصطياد الواقع في شباكه. وعلى كل 
فالفكر شكل من أشكال علاقتنا بالعالم.ومن الصواب أننا لا تتخلى عن الأمل في أن 
يقودنا الفكر» من حين لآخرء إلى الشيء ذاته» كما يتركنا البواب» بعد أن يدخلناء 
حسب الطقوس المعتادة» أمام الشخص المهم الذي سيعرفنا مباشرة برغباته. يقيم 
ديكارت الحقيقة على أساس البداهة» التي يعرفها هوسرل تقريبا بأنها حضور الشيء 


16 الحقدقة 


ذاته بحيث يظهر فيه الكائن لنفسه كما هو : فهي أيضا انكشاف» وابتهاج ج النفس 
بإفلاتها من العبودية. اك ١‏ وبع ا ا 


e‏ يشير إلى نفسه (أو كما كان يقول سبينوزا فهو 
علامة على ذاته)» لكن المشكل هو أن الخطأ عبارة عن نصّاب يحلو له أن يقدم لنا 
نفسه على أنه هو الشىء الحقيقى. إن بداهة ما يمكن أن تقصى أخرى» كما أن 
الحقيقة موضع مملوء دوماء ولو من طرف الشك أو من طرف الرؤية النسبية - لكن 
كيف نتعرف على من يملك الحقيقة فعلاء وما هى حقيقة الحقائق ؟ إن علينا أن نحترم 
بعض قواعد المنهج» مثل التمسك بعوقف الشك إلى غاية أن يصبح من المستحيل 
علينا أن نستمر في رفض التصديق» ومثل مراكمة البراهين أو فحص فرضياتنا 
بواسطة التجريب والاختبار. لكن على كل حال هذه الحقيقة التي لم نحصل عليها 
إلا بعناء» حقيقة لا تتجاوز مستوى الاحتمال. 

هل هذا المخطاب» الذي يراد لنا الاعترأاف» بدون .باه ذو معنى وعقلاني» 
عوخطاي حبني ل ل اك كر كدلات لد 1 أن قد حيست +301 لكن 
ليست هناك أية حقيقة بديهية تستطيع أن تلغي تلغى الصحوة ة التي جعلتني أتعرف على 
إمكان تعرضي للخطأ إن البداهة ذاتهاء مهما كانت لامعة فإنها تظل تحتفظ بشيء 
من الوهم بصورة خفية لسبب واحد وهو أننا حتى عندما نفكر» وعندما نتحدث» 
وعندما نستدل فإن الحقيقة بالنسبة لنا ضائعة. إنها لا تو جد إلا كمطلب أو كأفق : 
إننا لا نراها أبدا وجها لوجه. مثلما لا يمكننا أن نحدق في الشمس في رابعة النهار. 

عن تساؤلات الفكر المعاصر. دار الأمان ‏ الرباط 1987 


٠. 5 |‏ 2 هم سار .6 3 57 
1- تاريخ الفلسّفة وو حدة الحقيقة 





هل نحن في مأزق جديد ؟ لاءغيرأن الأمر مع ذلك يحتاج إلى مزيد إيضاح 
علاقتنا بالحقيقة. 


هل الحقيقة ممكنة ويأي معنى ؟ 17 


... لقد نظرنا إلى الحقيقة في مرحلة أولى على أنها فكرة لا زمنية ولا شخصية؛ 

غير أنها لا تتخذ هذا المعنى إلا لكونها الأفق أو المعنى النهائي اللازمني 
واللاشخصي لدور بشري ملموس» زمني وشخصي» الأمر الذي يعني أن هذه 
الفكرة لا تستند في وجودها إلى إمكانة بلوغها ونا بالتدقيق إلى كوتها واجبا 
للتفكير» وهو مار يستتبع القول بأن ما يقابل التاريخ على الطرف الآخر من التعارض 
التي طاتا ت لين هو الشقيفة كفكر: ة يحردة وإنما سعيى سعيى أنا الشخصى لهاء وهو 
ما يحول السؤال من ما هي الحقيقية ؟ إلى السؤال : ماذا يعني البحث عن الحقيقة ؟ 
والإجابة على هذا السؤال قد تمكننا من استيعاب جديد لتاريخ الفلسفة يصبح وفقه 
هذا الأخير المكمل لفكرة الحقيقة والمسلك الأوفق إليها. 

إن البحث عن الحقيقة مشدود بين حالتين للإنسان هما : وضعه الشخصي كفرد 
وتوقه إلى تمثل الوجود وقوله_فانا كشخص أريد أن أكتشف المعنى الخاص 
لوجودي الفردي الذي لن يستطيع أحد قوله أو بلوغه بالنيابة عني... ولكن 
مشروطية ومحدودية وضعي الخاص تمعل نزوعي متناهي الأفق... ومع ذلك» فإن 
بحثي عن الحقيقة يجعلني أطمح إلى أن أستمد عن عمق وضعيتي الخاصة إمكانية قول 
شيء شامل وصالح للجميع... .معنى أنني لا أريد أن أبتدع القول لهوى في نفسي» 
ولكني أطمح إلى أن أتمثل الوحود في صميم فرادتي وإلى أن أقول هذا الوجود الذي 
أجده في نفسي والذي يخرجني إلى العالم ويفتحني على | لآخرين 

وهذا يعني أن بحثي عن الحقيقة مشدود بين تناهي قدرتي على التساؤل من جهة 
وانفتاح الوجود في وأمامي من جهة أخرى. 

وهنا بالذات» بمكن أن يسعفني تاريخ الفلسفة جما هو ذاكرة لكبرى الفلسفات 
الفردية» ذلك أنه بحاوزة وضعيتي الخاصة وللصعود منها باتحاه الحقيقة لا يوجد إلا 
مسلك واحد هو التواصل مع الآخرين, وبتعبير آخرء فإني لا أملك إلا وسيلة واحدة 
للخروج من ذاتي» هي الارتحال إلى الاخرين والانصهار والتغرب فيهم. 

إن التواصل بنية للمعرفة الحقة أو أنها تتشكل عبره» وبفضل التواصل أيضاء يمتنع علينا 
اختزال تاريخ الفلسفة إلى متوالية لا عقلانية من الإبحازات المبعثرة أو تحويله إلى متتحف 


للأعمال الفلسفية» ذلك أنه أي التواصل ‏ هو الذي يكشف لنا عن معنى العماء 
التاريخي بخصوص مشكل الحقيقة» كما أنه الطريق الأصوب للفيلسوف لمعرفة ذاته. 

وبتعبير آخرء فلئن كان من المتعذر معرفة الذات في مباشرية شفافة ودون توسيط 
مختلف البنيات الرمزية» فإن التواصل هو الذي يجعل من تاريخ الفلسفة مسلكا 
رئيسيا للعود التأويلي للذات» إن تاريخ الفلسفة - .ما هو حقل خصب لتواصل 
الذوات ‏ هو الطريق الأطول لمعرفة الذات. 

ماذا يعني تناول تاريخ الفلسفة من جهة التواصل والتعاطف والمشاركة' 
الوجدانية وتعليق الإلتزام بخطه الخاص بالنسبة لفيلسوف ما ؟ 

ما يمكن قوله هو أن هذا التناول ليس له معنى فى ذاته» ولكنه يكتسب معناه حين 
يصبح الوجه الآخر لبحث فلسفي حاضرء ملتزم وبهذا المعنى معرض مخاطر الإنغلاق. 

وهكذا فإن إقامة نوع من التبادل والتواصل بين تاريخ الفلسفة وبين الإبداع 
الفلسفي الراهن هو الذي يمكن أن يعطي للأول منهما الأهمية والمعنى وأن يخلص 
انيهما ‏ أي البحث الشخصي عن الحقيقة ‏ من التعصب وضيق الأفق - بل إنه 
يمكننا أن نذهب أكثر من ذلك فنقول بأن التاريخ الخالص الذي لا ينطلق من 
مسلمات ولايبحث انطلاقا من مسبقات أمر لا وجود له أو أنه فكرة محردة 
فحسب. ويمكن أن نسحب نفس الشىء على إدعاء التفلسف الخالص دون 
الاستشهاد بالغير والتعلم منهم. ٠‏ 

وعند وصولنا إلى هذه النقطة» نكون قد حولنا المأزق القاتل للتعارض بين تاريخ 
الفلسفة وفكرة الحقيقة إلى مفارقة حية ‏ كما يكون علينا أن تتخلص من التعريف 
الذري للحقيقة الذي يجعل لكل حقيقته الخاصة المتمثلة فى مطابقة إحبارية 
لإشكاليته. وبالمقابل نكون إزاء تعريف ما بين ذاتي للحقيقة 10اءأزطناديع]م1) يعمل 
كل فيلسو ف .عقتضاه على شرح وتطوير رؤيته للعا م عن طريق السجال والصراع 
مع غيره. إن الحقيقة بهذا المعنى هي التعبير عن الوجود المشترك بين الفلاسفة كما 
يقول ياسبرس. وبتعبير آخرء فإننا مع التعريف المابين ‏ ذاتي للحقيقةنكون إزاء 


هل الحقيقة ممكنة وبأي معنى ؟ 19 


وفي هذا الحوار المتجدد باستمرار عبر التأويلات» لا تنوقف فلسفات الماضي عن 
اكتساب شحنات جديدة من المعنى» مما يجعل التواصل ‏ أي استعادتها التأويلية 
والسجالية ‏ شرطا لانقاذها من الموت والنسيان ولاستخراج إمكاناتها الخلاقة ة التي لم 
يفطن إليها معاصروهاء وهذا الأمر يصدق حتى على الفلسفات التي تدعي الأبدية 
والتي لها هي الأخرى قارووها وبحددوها... وهكذاء فإن المابين- ذاتية هي التي توئسس 
التبادل بين التاريخ وبين البحث المعاصر عن الحقيقة» وهذا التبادل هو الذي يجعل الفلسفات 
غيرقابلة للإخترال إلى التصنيفات النمطية ولا إلى الثبات الماهوي أو الجوهري الفردي. 

إن العلاقة ا ا ل ا ا 
المطلقة. وتعير آخر تن اسه طون تاح ُرادتهاء 0 
ل ل دم 
نوع من الجمع العقلي من كل الآفاق ‏ غير أن هذه المقاربة الجديدة لمشكل الحقيقة 
في تاريخ الفلسفة تُعَرضُّنا هي الأخرى لإحباط جديد متعدد الأوجه. 

فمن حهة أولى تندر التوافقات بين الفلاسفة التى تمكننا من إقامة حوار حقيقى 
بنيهم... بل إن تاريخ الفلسفة الذي نقوم به بطريقة احترافية عادة ما يكون خلوا من 
الحوار والتواصل بين الفلسفات. 

ومن جهة ثانية» فإن اللحظتين : الريبية» الملازمة لتفريد الفلسفات والتاريخ لهاء 
والوثوقية الملازمة للتفلسف والاستعادة التأويلية للفلسفات لمكن أن تدحا تماماء 
ما أن لكل منهما مقتضياتها. 

وأخيراء فإن التمايز الأصلي بين إشكاليات مختلف الفلسفات هو ما يجعلها لا تقو 


20 الحقيقة 


وهذا التمايز الأصلي الذي تمتنع معه كل مقارنة» هو ما يجعل التواصل الكامل 
بين الفلسفات متعذراء ري 

وهذه الصعوبات هي التي تدفعنا إلى مقاربة أخيرة لمشكل التاريخ والحقيقة. 

... فإذا كنا ننظر للحقيقة من حهة الوحدة, فلأننا نحس فعلا بأن هنالك شيئا 
واحدا يربط بين الفلسفات الفردية امختلفة في تاريخ واحد. 

ورغم ذلكء فإننا لا ملك سوى مسلك واحد يمكن أن يقربنا من هذه الوحدة 
الموحدة حال الايجاب والاثبات» وهو الحوار بين الفلسفات. فإذا كان الأمر 
كلل كان هذا الشويع الوشقييه المشارك بيع الفبيفات هو ما يواسس 
التواصل بينها وإذا كنا لا ندركه إلا بواسطة التواصل نفسه فماذا يكون هذا 
الشيء؟ 

إن هذه الوحدة الموحدة أو هذا الشيء ء الواحد هو عمق كل سؤال أو أنه موضع 
التساؤل في كل سؤال أو أنه ما يؤسس السؤال الفلسفي نفسه. . وبتعبير اخرء فإن هذا 
«الشيء ء الواحد) حاضر في كل أسئلتنا وموجه لها وإن كان في الغالب مخفيا بطبقة 
كثيقة من التعتيم. 

ولكن ماهو هذا الواحد المتخفي في ثنايا أسئلتنا كلها وفي شايا التاريخ كله ؟ ما 
هو هذا الواحد الموحد محال الاثبات ولمتباين التاريخ ؟ 

إنه بالتأكيد ليس فلسفة فردية ما حتى وإن كانت تدعى اللإطلاق والأبديةء ولا 
هی اقا ت لفات هو تطارى ا هه عات اققات هو 
صيرو رة أو غائية محايئة نختلف اللحظات الفلسفية الفردية ولا هو معرفة مطلقة بهذه 
الصيرورة. فماذا يكون إذا ؟ 

سنحاول الاجابة على هذا السؤال عبر عود غير مباشر من خلال تمحيص العلاقة 
بين واجب التفكير في الحقيقة من جهة» ونوع من الأمل الانطولوجي في بلوغ هذه 
الحقيقة من جهة أخرى. ويمكن أن ننطلق في ذلك من عبارة تحسم هذه العلاقة 


هل الحقيقة ممكنة وبأي معنى ؟ 21 


كقولي : إني آمل أو أرجو أن أكون في الحقيقة. ماذا تعني هذه العبارة ؟ إنها تعني 
أولا أن علاقتي بالحقيقة ليست علاقة تملك وإنما هي علاقة أمل ورجاء. 00 
ثانيا أن الحقيقة ليست محرد أفق أسعى إليه ولكنها فضاء أو مناخ أو مجال. فأنا أرجو أن 
أكون في الحقيقة لا أن أبلغها أو أتملكها. ويمكن بهذا الصدد أن نستعمل عبارة كل 
من هيدجر وكارل ياسبرس التي تجعل من الحقيقة نوراً يضاء به الوجود. والحقيقة 
كضوء يسلط على الأشياء فيبدو الوجود من خلالهاء تحيلنا إلى شيء آخر هو الوجود 
كانفتاح. 

وبتعبير آخرء فإن الوجود لا يتموضع في حيز معين ولا يظهر جلياء بل إننا لا 
ندرك على وجه التحديد ما هو» إنه مغلف باستمرار بطبقة كثيفة من التعتيم» غير أنه 
مع ذلك ليس مخفيا تماماء بل إن له أماراته أو علاماته الدالة عليه ومن ذلك أنه بقدر 
ما نتعمق في فلسفة ماء وبقدر ما نتقمصها وندرك فرادتها وعمق تميزها عن غيرهاء 
وبقدر بلوغنا لما هو أساسي فيهاء بقدر اكتشافنا لكون فلسفات كل من أفلاطون 
ات ال و و 
ا ا ا م اروك 
الوجود وانفتاح هذا الأخير من خلالها. وحين نصل إلى هذا المستوى من العمق 
نستطيع فهم قول سبينوزا : «بقدر ما تزداد معرفتنا بالأشياء الفردية بقدر ما نعرف 
الله أكثر ». 

غير أن هذا التناغم لا يمكن أن يصبح نسقا أو أن يصاغ صوغا نسقياء كما لا يمكننا 
موضعته والسيطرة عليه بشكل نهائي أو كامل وإلا لكنا أمام الحقيقة الواحدة والثابتة أي 
المطلقة. 

إن الحقيقة كما سبق القول ليست سوى أمل أو رجاء لا نبلغه فى هذه الحياة 
أبدا. 

وقد يثير هذا القول جدلا حول جدوى الحفاظ على هذا المفهوم أصلا ؟ 
وإجابة على ذلك يمكن القول بأن وظيفة الأمل الأنطولوجي في الحقيقة هي الحفاظ على 


22 الحقيقة 


انفتاح الحوار بين الفلسفات وإقامة ضرب من التواؤم القصدي في أكثر الحوارات 

إن الحقيقة بهذا المعنى» أي ما هي رجاء أنطولوجي هي احال الحيوي لكل عملية 
تواصلء كما أنها الشعاع الذي ينير حواراتنا بنور الوجود. 

وأخيراء فإن الحقيقة بهذا المعنى» هي ما يعطينا القوة والشجاعة على صنع تاريخ 
للفلسفة دون فلسفة للتاريخ. 

إن الحقيقة ما هي و جود واحد ثابت» غير قابلة للإدراك» غير أننا نبلغ ما ينكشف 
لنا منها. ومع ذلك فإنها كطموح أنطولوجي ذات وظيفة هامة في تأسيس التواصل 
كبنية للمعرفة الحقة وفي خلق مناخ حواري مفتوح باستمرار بين الفلسفات. 


Paul Ricceur, Histoire et vérité 
Ed. du seuil 1964 P. 46 - 60 


تر جحمة : حسنبين حسم 
0 5-2 


1- تفكيك البداهات 





إن مفاهيم مثل الجوهر والعمق والنبع والسر والداخل والطهارة والنقاوة أخذت 
تتعرض للنقد والتفكيك منذ زمن ابتداء من نيتشه وانتهاء بدولوز ودريداء مرورا 
بهيدجحر وفوكوءهذا إذا رجعنا إلى الفلاسفة فقطء وأقصد بالتفكيك» على اختلاف 
أساليبه وطرائقه» سعى الفكر إلى نقد مسلماته ومعاييره وآلياته. ويتجلى هذا السعى 
فى زعزتة اليقينيات وتقويض الاجهزة المفهومية» وصولا إلى تفكيك المعنى نفسه. 
وليس التفكيك مطلبا في حد ذاته» بقدر ما هو محاولة لتفسير خراب المعنى ممثلا 
بالنتائج الكارئية التي تؤول إليهاء دوماء ممارسات الإنسان لمبادئه ومشاريعه 
وشعاراته. وهكذافإن الفكر الفلسفي» وهذه ميزته»يسعى إلى التشكيك في 


هل الحقيقة ممكنة وبأي معنى ؟ 23 


البداهات» وإلى : نبش الأسس وتفكيك النصوص والخطابات ؛ وهويقوم اليوم بنقد 
ارت هری کا فد اكد الد اموا عل ی تاک ھی 
البداهة والوضوح بحيث ظلت ,بمنأى عن كل نقدء كلمفاهيم المذكورة أنفا .ولعل 
وضوح تلك المفاهيم هو مسوغ نقدها. إذ أن منتهى الوضوح هو منتهى الغموض 
على حد قول هيدجر. وإذا كان من مهام الفكر أن يفكر فيما لم يفكر فيه» فإن عليه 
أن يفكر فى بداهته لكا والحال أنناء نحن الذوات المفكرة» نستعمل فيما نفكر 
فيه من أشياء مفاهيم كالعمق والجوهر والمركز والأصلءبها نفسر ونشرح أو نبرهن 
ونوضح. والفكرء إذ يبنى بهاء يحملها حمل البداهة التي لا تحتاج إلى جدال أو 
مناقشة. ولكن الفكر التفكيكيء والفكر لا يتوقف عن التفكيك؛ ره 
أن هذه المفاهيم ليست بداهات» وإنماهي مصطلحات تنطوي على قدر من الإسقاط 
والتحوير والحجب والتزييف والاستبعاد» فضلا عن كونها مشحونة بالابعاد ابجازية 
والرمزية. ي بقدر ما تشكف وتفسر وتنبىء. ولهذا فإن 
استعمالها في التحقيق والإثبات يتم على حساب الحقيقة نفسها. فنحن مثلا عندما 
ل 0 
نعتبره أمرا بديهياءنعني به التمييز بين «العمق» و «السطح», بينما هو ليس 
كذلك .وهذا يصح أيضا على سواء فن ال ات كارن ارك الها اون 
الأصل والفرع أو بين الجوهر والعرض. ذلك أن هناك من ينبري الآن بفكره وبحثه» 
إلى إعادة النظر في مثل هذه التمييزات» وفضح مضامينها المضللة. هناك مفكرون 
يمارسون التفكير بعكس ما اعتدنا على التفكير منه منذ أفلاطون ريماء لكي يقولوا لنا: 
«لا يوجد عمق ولا سطح» بقدر ما يوجد شيء له ألف سطح وسطح ؛ ولا يوبا 
مركز ولا هامش» بقدر ما يوحد شيء يتزرحزح عن مركزه باستمرار ؛ أو ليقولوا لنا : 
ليس هناك أصل ولا فرع؛ بل ثمة فرو ع لأصل يتعذر بلوغه ؛ وليس هناك جوهر ولا 
مظهرء بل عين وجودية تظهر بصورة كثيرةوتعرض بأعراض مفتلفة؛ أو ليقولوا لنا : 
لا خطاب يتماسك كل التماسكء لأن النصوص تنسج من شقوق وثقوب وفراغات؛ 
ولا لغة صافية نقية» لأنه لا كلام يخلو من ترميم أو ترقيع أو نسخ. 


على حرب : «ليل المعنى ». محلة مواقف عدد 63 ص 280 - 281. 





قلنا مرارا بأن الفرضية العلمية التي لا تصطدم بأي تناقض ليست بعيدة عن أن 
تكون فرضية لا جدوى منها. كذلك فإن التجربة التي لا تصحح أي خطأ وتقدم 
نفسها كحقيقة لا نقاش فيها تجربة لا تصلح لأي شيء. إن التجربة العلمية إذن تحربة 
تناقض التجربة المشتركة. ومن ناحية أخرى فإن التجربة المباشرة والجاري بها العمل 
تحتفظ دوما بسمة تكرارية كما أنها تتطور تحت ظل سلطة الكلمات والتعريفات ؛ إن 
ما ينقصها بالضبط هو منظور الأخطاء الملصححة الذي يسم» في نظرناء الفكر العلمي. 

عندما نبحث الظروف السيكولوجية لتقدم العلم» نصل سريعا إلى الاقتناع بأنه 
يجب طرح مشكل المعرفة العلمية بألفاظ العوائق. والأمر لا يتعلق بعوائق خارجية 
كتعقد وهشاشة الظواهر» ولا بتجريم ضعف حواس وفكر الانسان : بل إنه داخل فعل 
المعرفة نفسه تظهر» بشكل صميميء وعبر نوع من الضرورة الوظيفية» تباطؤات 
واضطرابات. وهناك تظهر أسباب التوقفء بل التراجع» وأسباب العطالة التي 
سندعوها عوائق ابيستمو لو جحية. إن معرفة الواقع هي ضوء يسقط بعض الظلال في 


26 الحقيقة 


مكان آخر. فهي ليست أبدا معرفة مباشرة ومكتملة. إن إيحاءات الواقع هي دوما 
إيحاءات تراجعية. إن الواقع ليس أبدا هو «مايمكن أن نعتقد» بل هو دوما ما كان علينا 
أن نفكر فيه ونتصوره. إن الفكر التجريبي فكر واضح مباشرة عندما يتم ضبط سلسلة 
الأسباب. عندما نعود إلى ماض من الأخطاء نعثر على الحقيقة في نوع من الندم 
والمراجعة الفكريين. وبالفعل فإننا نعرف ضد معرفة سابقة» وذلك بتهديم معارف لم 
تكن مقامة على أساس متين» وبتجاوز ما يشكلء في النفسء عقبة أمام الفهم. 


Bachelard : La formation de I'esprit scientifique. Paris-Vrin. 1970, p. 10-14 





الخطأ في تقدير أهميّة الخطأ 


موران 

الخطأ مشكلة أولية» أصلية وذات أولوية» وهذا ما يجعله موضع المزيد من 
التفكير. 

أكبر منبع للخطأ هو فكرة الحقيقة نفسها : 

ليست أفكا رنا انعكاسا للواقع» بل هي ترجمة له. وهذه الترحمات قد اتخذت 
صيغة ميثو لو حيات وايديولوحيات وأديان ونظريات. E‏ 
سين بعد م الي اطا فال رجات المتايقة تظوئر: معدا YT‏ 
الأخطاء لدى الانسانية. وبالمقابل فإنه في عالم الأفكار ظهرت في النهاية مشكلة 
الخطأ. لكن الحقيقة تنبثق أولا كفكرة مطلقة لا فقط على هيأة معتقدات دينية أو 
بر ری ملف بل اکا ع کل کار دات مله ظهور فكرة الطفيقه 
يضخم مشكل الخطأء إذ أن أي شخص يعتقد بأنه يملك الحقيقة يصبح عديم 
الحساسية تحاه الأخطاء التي توجد في منظومته المعتقدية» ويل إلى اعتبار كل ما 
يناقض حقيقته على أنه أكذوبة أو خطأ. إن فكرة الحقيقة هي المنبع الأكبر للخطأ ؛ 
والخطأ الأساسي يقوم في التملك الوحيد الجانب للحقيقة. 


نقائض الحقيقة أم نسِيجُهاء ‏ 27 


إن هذا الطرح لمشكل الخطأ يدخل تعديلا على مشكل الحقيقة» لكنه لا يقضي 
عليه ؛ فالحقيقة غير منفية هنا» لكن طريق الحقيقة عبارة عن بحث لا نهاية له» فطرق 
الحقيقة تمر عبر ا محاولة والخطأ ؛ والبحث عن الحقيقة لا يمكن أن يتم إلا عبر التيه 
والترحل. فالترحل يقتضي ويتضمن أن من الخطأ البحث عن الحقيقة بدون البحث 
فو اطا ان من الصيعب ها رة هة وطق البيحدة عن الحفيفة يدون 
البحث عن الخطأ. إن من الصعب نقل تحربة معيشة» وطرق البحث عن الحقيقة تمر 
عبر التجربة ورا عبر تحربة الخنطأ القائلة. 

والحقائق القائمة على أساس متين» في الحال النظري» هي الحقائق المقامة على 
هذه السلبية» أي التي هي مضادات للخطأ ؛ وهناك يصبح المضاد للخطأ حقيقة ؛ 
وذاك هو معنى فكرة بوبر» وذاك ما يشكل عظمة المغامرة العلمية رغم الروح 
الوئوقية ومركزية الذات. ولعل لعبة الحقيقة والخطأ هاته هي التي تمكن من القضاء 
على الأخطاء. ومن الأكيد أنه يجب في الغالب انتظار موت أولئك الذين اقترفوا 
الخطأ لكي تحل الحقيقة الجديدة. 


E. Mortin : «L'erreuır de sous estimer l’erreuır» in science avec conscience, Fayard, 1982 
Pp. 242-251. 


2 - الخطاً شزط ملازمٌ للوجُود 





الحد الأول ل«مذاق الحقيقة» هو كالتالي : ما لا يفيد الكائنات في الحافظة على 
الحد الثاني هو : من بين عدة كيفيات مختلفة لتمثل الشىء يفضل أكثر هذه 
الكيفيات منفعة» وهي التي حملتها الكائنات معها بالوراثة. وإذا عرجنا على 
الانسان فإننا لا نحد أن شيئا ما قد تغير. بل أكثر من ذلك يمكن التساؤل عما إذا لم 


28 الحقيقة 


تكن هناك بعض الأعراق المنحطة التي تتبنى في مواجهة الأشياء الموقف الذي 
ينسجم مع الميل اللاواعي إلى الانقراض - أي الاستعداد السلبي للحياة. لكن اختفاء 
الاشكال القديمة أو البالية ضروري للمحافظة على الحياة. ولهذا السبب للاشخاص 
المسنين الحق في التعبير عن مللهم وقنوطهم من الحياة وكراهيتهم لها. 

سيكون من ال جائز ذاتيا أن تحتاج الحياة ‏ حتى تسمو بنفسها ‏ إلى أخطاء كبيرة» لا 
لحقائق صارمة. إذ أن في الإمكان مثلا تخيل نوع من الوجود يستحيل حتى على المعرفة 
أن تتمكن فيه من الوجود» وذلك بسبب التضاد بين السيلان المطلق للأشياء وبين المعرفة. 
إذ أنه في مثل هذا العالم يصبح الكائن الحي ملزما بأن يعتقد في الأشياء وفي الديكومة... 
وذلك لكي يعيش. وبهذا يصبح الخطأ شرطا ملازما لوجوده. وریا كان الأمر هنا كذلك. 


نيتشه : إرادة القوة ج Textes p. 163 II‏ 


2 - الْحَطأً شرط الُعْرفة 





لو لم نفترض أن هناك شكلا للكائن متعارضا مع الواقع الحقيقي» لا كان لدينا 
أية وسيلة لقياس ومقارنة وإعادة إنتاج الكائن : فالخطأ هو شرط المعرفة. إن مفاهيم 
مثل : الثبات الجزئي» والاجسام النسبية» والعمليات المتمائلة» والعمليات المتشابهة» 
هي المفاهيم التي نخطىء بواسطتها الواقع ؛ من الحقيقي أننا لا نستطيع أن نعرف 
شيئا عن الواقع إلا بتخطئته (تشويهه) من قبل. وكل معرفة هي بدون شك مطلية 
بالمخطاء لكن مع ذلك لفينا على الأقل مل واحد للواقع» ويوجد ضمن هذه 
التمقلات العديد من درجات الخطأ. ورصد درجحات الخطأ ورصد الضرورة 
الأساسية للخطأ كشرط حيوي للتمثل : تلك هي مهمة العلم. 

والمسألة التي تطرح نفسها هنا ليست هي : «كيف ينتج الخطأ ؟» بل هي « كيف 
يكون نوع من الحقيقة مكنا رغم الخطأ الأساسي للمعرفة ؟) إن عملية التمثل يقينية» 


نقائْض الحقيقة أم نَسِيجُها؟ة ‏ 29 


بل رمما كانت يقيننا الوحيد ؛ لكن «ماذا بمثل التمثل» وكيف يثله ؟»تلك هى 
المشكلة. ٠‏ 


Nietzche : Oeuvres posthumes. Mercure de France 1939. 


2 الحقيقة والخَطصّأ 





للمعرفة بالحقائق ما يضادها وهو الخطأء وليس هذا شأن المعرفة بالأشياء. فنحن 
فيما يتعلق بالأشياء إما أن نعرفها وإما ألا نعرفهاء ليست هناك حالة من حالات 
العقل يمكن أن توصف بأنها معرفة باطلة بالأشياء إلى الحد الذي نقتصر فيه على 
المعرفة المباشرة على الأقل. فما نكون على معرفة مباشرة به لابد أن يكون شيئا ماء 
ولقد نستخلص نتائج غير صحيحة من المعرفة المباشرة» ولكن هذه المعرفة بذاتها 
لا بمكن أن تكون مخطئة وباطلة. نعم لا توجد ثنائية فيما يتعلق بالمعرفة 
المباشرة»وإنما تكون الثنائية فيما يتصل بالمعرفة بالحقائق. فقد نعتقد ما هو باطل 
مثلما نعتقد ما هو حق صريح. ونحن نعلم أن الآراء حول كثير من الأمور تختلف 
باختلاف الأشخاصء ومن ثم لزم أن تكون بعض هذه الآراء باطلة.والناس 
يتمسكون بالمعتقدات الباطلة مثل تمسكهم بالمعتقدات الصحيحة»ولذلك كان من 
الصعب تمييز هذين النوعين من المعتقدات .فإذا سألنا» كيف يتهيأ لنا أن نعرف أن 
ما نعتقده صادق. فإنما نسأل سوئالا على جانب كبير من الصعوبة لا تمكن الإجابة 
عنه إجابة وافية. غير أن عندنا سوالا يصح أن يكون تقدمة وتمهيدا لسؤالنا الأول» 
والصعوبة فيه أقل من الصعوبة الأولى وهذا السؤال هو : ما الذي نعنيه بالحق 
والباض: 

وسوف لا نتساءل عن كيف يتهيأ لنا أن نكون على علم بصدق معتقد أو كذبه. 
بل سنقصر بحثنا على ما نعنيه بقولنا أن معتقدا من المعتقدات حق أو باطل. ولقد 
نأمل أن يكون في الجواب الواضح عن هذا السرؤال عون لنا في الإجابة عن السؤال 


30 الحقيقة 


الأول وهوء أي المعتقدات حق ؟ ولكنا نسأل فى هذا الفصل «ما الحق ؟) 
و«الباطل؟»» ولا نسأل «أي المعتقدات حق» و«أيها باطل». ومن المهم جدا أن 
نفصل بين هذين السو الين فصلا قاطعاء ذلك لأن أي خلط بينهما لابد أن يؤدي إلى 
جواب غير منطبق على كليهما. 

توجد ثلاثة أمور تلزم ملاحظتها في محاولة الكشف عن طبيعة الحق وهذه الأمور 
الثلاثة لابد أن تستوفيها أية نظرية فى هذا الصدد. 

1 - فإذا أردنا أن نصوغ نظرية حول الحق وجب أن يكون في هذه النظرية جال 
لضد الحق وهو الباطل. وقد فات كثيرا من الفلاسفة ملاحظة هذا الشرطء» فأقاموا 
نظرياتهم بحيث تقتضي أن يكون تفكيرنا كله تفكيرا صادقا صحيحاء ووجدوا 
صعوبة كبرى في أن يتناولوا الباطل في نظرياتهم. ولابد أن تختلف نظرياتنا في هذا 
الصدد عن نظرياتنا في المعرفة المباشرة» ذلك أنه في حالة المعرفة المباشرة لم يكن امحتم 
علينا أن نتناول ضدها. 

2- وظاهر أنه لو لم توجد معتقدات لما وجد باطلء بل لما كان وجد حق أيضاء 
بالمعنى الذي يكون فيه الحق متعلقا بالباطل. ولو تصورنا عالما مؤلفا من محض المادة 
لعز علينا أن بحد مكانا للباطل فيه» وبالرغم من أن مثل هذا العالم يحتوي على ما 
يمكن أن يدعى «واقع» فإنه لا يمكن أن يحتوي على أية حقيقة» بالمعنى الذي تكون 
فيه الحقائق من نوع الأباطيل نفسها. فالحق والباطل خاصيتان تمتاز بهما المعتقدات 
والأحكام ومن أجل هذا فإن المؤلف من محض المادة لا يحتوي على أي حق أو 
باطل» لأنه لا يحتوي على معتقدات وأحكام. 

3- ولكن يجب أن يلاحظ خلافا لما قلناه انفاء أن حق المعتقد أو باطله أمر يعتمد 
دائما على شيء غير المعتقد نفسه» شيء خارج عنه تماماء فإذا كنت أعتقد أن 
تشارلس الأول قد مات على المقصلة؛ فإن ما أعتقده صادق وليس ذلك راجعا إلى 
صفة فى المعتقد ذاته, يمكن الكشف عنها بتمحيصه وامتحانه. بل إلى حادثة تاريخية 
خد قبل فزنت وتستن فرقم :و إذا كنت اعفد أن تقار لس الأول قات عن 


لقانم التقزفة ستياه 37 


فراشه فإن ما أعتقده باطل» ومهما كان اعتقادي واضحا وكنت شديد الاطمئنان 
إليه كثير التحرز من الزلل فيه» فإن ذلك لا يمنع كونه باطلاء ويعود هذا أيضا إلى تلك 
الحادثة التي وقعت قبل قرنين ونصف قرنءلا إلى صفة المعتقد ذاته. ومن ثم فإن الحق 
والباطل ولو أنهما صفتان من صفات المعتقدات فهما تعتمدان على العلاقات 
القائمة بين المعتقدات وأشياء أخرىء لا على صفة من صفات المعتقدات نفسها. 

وثالث الأمور يقودنا إلى أن نأخذ بالرأي القائل بأن الصدق أو الحق يتألف من 
ضرب من المطابقة بين المعتقد والواقع» وهو على العموم أكثر الآراء في هذا الصدد 
شيوعا بين الفلاسفة: على أنه ليس :من الشسهل أن نحد نوعا من المطابقة لا يمكن أن 
توجه إليه اعتراضات قاطعة ولهذا السبب بالاضافة إلى أننا نشعر بأنه إذا كان 
الصدق يتألف من مطابقة بين التفكير وشيء خارج عن التفكير؛ فإن التفكير لا يمكن 
أن يهتدي إلى معرفة متى يتم الوصول إلى الصدق» فإن كثيرا من الفلاسفة انصرفوا 
إلى محاولة إيجاد تعريف للصدق لا يقوم على علاقة بين المعتقد وشيءخارج عنه 
وأهم محاولة لمثل هذا التعريف هي النظرية القائلة بأن الصدق يتألف من الالتثام 
والتماسك فالعلاقة الفارقة للباطل تبعا لهذه النظرية هي قصور المعتقد الباطل عن أن 
يلتئم مع مجموعة المعتقدات التي يعيها العقل» وأن من طبيعة ما هو صادق أن يؤلف 
جزءا من المنظومة الكاملة التي هي الصدق أو الحق بجملته. 

غير أن صعوبة كبيرة أو بالأحرى - صعوبتين تعترضان هذه النظرية. أولاهما 
أنه ليس من سبب لأن تفرض أنه ليس في الإمكان وجود أكثر من مجموعة واحدة من 
الامكداا تم وو ف ر و ا 
SS‏ 

كما وقع. وكثيرا ما يكون في المسائل العلمية فرضان أو أكثر تنطبق جميعها على 
الواقع المعروف في موضوع ماء وبالرغم من أن رجال العلم يحاولون في مثل هذه 
الحالات الاهتداء إلى أنوا ع من الواقع تشجب جميع الفروض ماعدا واحد فليس من 
سبب يدعو إلى الاعتقاد بأنهم لابد أن يوفقوا دائما في محاولتهم هذه. 


من الشائع في الفلسفة أن يوجد فرضان مختلفان كلاهما يفسر جميع أنواع 
الواقع أيضا. فمن الممكن مثلا أن الحياة ليست إلا حلما طويلا وأن ما للعالم 
الخارجي من حظ من الحقيقة لا يزيد على حظ مواد الحلم وموضوعاته منهاء ولكن 
بالرغم من أن هذا الرأي لا يبدو أنه يناقض الواقع المعروف» فليس من سبب لأن 
تفصله على نظرة البداهة السليمة القائلة بأن الناس الآخرين والأشياء في العالم 
موجودة فى الحقيقة. وعلى هذه الصورة يكون تعريف الصدق بأنه يتألف من 
الالتئام والتماسك بين المعتقدات» تعريف فيه نقص وقصور لأنه ليس هناك من 
برهان قاطع بوجود منظومة ملتئمة واحدة من المعتقدات فقط. 


والاعتراض الثاني على هذا التعريف هو أنه يفترض أن معنى «الالتئام)) معروف 
في حين أن «الالتئام» في الحقيقة يقوم على افتراض صدق قوانين المنطق. فإن 
حكمين من الأحكام يكون أحدهما ملتئما مع الآخر إذا كان كلاهما صحيحا 
وصادقاء أما إذا كان أحدهما على الأقل باطلا فإنهما غير ملتئمين. ولكن لكي 
نعرف هل هذان الحكمان صحيحان صادقان معاء لابد لنا أن نعرف بعض حقائق 
مثل قانون امتناع التناقض: فإن الحكمين «هذه الشجرة شجرة زان» و«هذه 
الشحكرة ليست بشضرة زأن) نملا حكنان: غين ملثمين» وذللف: سبيت قانون 
امتناع التناقض. ولكن إذا أخضعنا قانون امتناع التناقض نفسه لمعيار الالتئام فإننا 
نحد ‏ إذا شئنا أن نفترض أنه قانون باطل ‏ أنه لا يمكن أن يلتم أي حكم مع حكم 
آخر. وبهذه الصورة تزودنا قوانين المنطق بالهيكل أوالاطار الذي يمكن تطبيق 
معيار الالتئام ضمن نطاقه» ولكن هذه القوانين لا يمكن أن تنبت صحتها بذلك 
ا 

وللسببين السابقين لا يمكن قبول الالتئام باعتبار أنه يهتدي إلى معنى الصدق 
بالرغم من أنه كثيرا ما يكون أهم معيار يقاس به الصدق وذلك بعد الوصول إلى 
معرفة حد معبن من الحقائق. 

ومن أجل هذا ترنا مدفوعين إلى اتخاذ مطابقة المعتقد للواقع باعتبار أنها العنصر 
الذي فال «طعة الصدق :وم غلفا بعد ذلك أن جد فة ما نة كا 


نقائْضٌ الحقيقة أم نَسِيجُها ‏ 33 


«واقع» وما هي طبيعة المطابقة التي يجب أن تقوم بين المعتقد والواقع لكيما يكون 
ذلك المعتقد صادقا. 

وتبعا للأمور الثلاثة السالفة يلزمنا أن نبحث عن نظرية للحق بحيث 1) تتناول 
إلى جانب الحق ضده وهو الباطل 2) جمعل الحق خاصية من خصائص المعتقدات 3) 
تحعله خاصية تعتمد بتمامها على العلاقة بين المعتقدات والأشياء الخارحية. 

والضرورة التي تدعو إلى تناول الباطل تجعل من المستحيل أن نعد المعتقد بأنه 
يتألف من علاقة العقل.موضوع واحد.مفرده يمكن أن يقال عنه إنه هو ما يعتقد به. 
لأننا إذا حسبنا المعتقد هكذا فإننا نجد أنه لا يسمح ‏ شأنه شأن المعرفة المباشرة ‏ 
بالتضاد بين الحق والباطل. بل لابد أن يكون حقا على الدوام. ونوضح هذا ,عثال : 
فقد كان (عطيل) يعتقد خطأ أن(ديدمونا) تحب (كاسيو) ولكنا لا نستطيع أن نقول 
«إن هذا الاعتقاد يتألف من علاقة العقل.موضوع واحد هو« حب ديدمونا 
لكاسيو» لأنه إذا وجد مثل هذا الموضوع فالمعتقد صادق وصحيح. أما في الواقع 
فلا يوجد مثل هذا الموضوع ولهذا فإن «عطيل» لا يمكن أن يتألف من علاقة به. 

ولقد يقال إن معتقده يتألف من علاقة .حوضو ع أخر هو (ديدمونا تحب كاسيو) 
ولكن من العسير أن تزعم وجود مغل هذا الموضوع حين تكون ديدمونا لا تحب 
كاسيو مثلما كان عسيرا أن تزعم أن «حب ديدمونا لكاسيو» موجود. ولذلك 
يحسن بنا أن نبحث عن نظرية للمعتقدات لا تمعل الواحد منها يتألف من علاقة 
العقل.موضوع واحد. 

من الشائع الظن أن العلاقات لا تقوم إلا بين حدين وليست هذه هي الحال في 
الواقع. فبعض العلاقات تستدعي ثلاثة حدود وبعضها أربعة أو أكثر وهكذا. وخذ 
مثلا لذلك العلاقة «بين» فإن هذه العلاقة مستحيل أن تقوم مادام هناك حدان فقطء 
وأول ما تستدعى هذه العلاقة هو ثلاثة حدود. فتقول «يورك» «بين» «لندن» 
و«ادنبرة»؛ ولو كانت لندن وأدنبرة المكانين الوحيدين في العال» لما كان هناك مكان 
بينهما. وبالمثل تتطلب «الغيرية» ثلائة أشخاص» فليس هناك حالة من حالات 
الغيرية لا يدخل فيها ثلاثة على الأقل والقول بأن «أ» يرغب في أن يعمل «ب» على 


34 الحقيقة 


تهيئة زواج «ج» من «د» قول يتضمن علاقة بين أربعة حدود أي أن الأشخاص 
الأربعة أ.ب» ج» د كلهم تربطهم تلك العلاقة التي لا يمكن التعبير عنها إلا بذكرهم 
جميعا. ويمكن أن نورد أمثلة لذلك بلا حصر ولكنا ذكرنا ما فيه الكفاية ليتضح منها 
أن هناك علاقات تتطلب أكثر من حدين قبل إمكان قيامها. 

ولابد أن نعد العلاقة المتضمنة في الحكم أو الاعتقاد, (إذا كان علينا أن نتوقع 
حدوث الباطل) علاقةبين عدة حدود وليست بين حدين فقط. فحين يعتقد 
«عطيل) أن «ديدمونا» تحب «كاسيو» فإن ما يشغل ذهنه لا يمكن أن يكون 
موضوعا واحدا مثل «حب ديدمونا لكاسيو» أوديدمونا تحب كاسيو»؛ فلو كان 
الأمر كذلك لاقتضى الحال وجحود أباطيل موضوعية؛ يمكن أن توجد مستقلة عن 
العقول المفكرة» وهذا رأي بالرغم من أنه لا يمكن نقضه منطقياء يجب علينا أن 
نتجنبه ما وجدنا إلى ذلك سبيلا. وعلى هذه الصورة يكون أسهل علينا أن نفسح 
ا محال للباطل إذا ما اعتبرنا أن الحكم علاقة يشترك فيها العقل والموضوعات المتعددة 
التي هي موضع الاعتقادات جميعا. ومعنى ذلك أن ديدمونا والحب وكاسيو لابد أن 
تكون جميعها حدودا للعلاقة التي تقوم حين يعتقد عطيل أن ديدمونا تحب كاسيو. 
فهذه العلاقة إذن علاقة ذات أربعة حدود» لأن عطيل نفسه حد فى هذه العلاقة 
أيضا. وحين نقول إنها علاقة من أربعة حدود فإننا لا نعنى أن لعطيل علاقة معينة 
بديدمونا وأن له هذه العلاقة نفسها بالحب وبكاسيو أيضا. وقد يصدق هذا على 
علاقات غير علاقة الاعتقاد ولكن الاعتقاد كما هو ظاهر ليس علاقة بين عطيل وبين 
أي واحد من الحدود الثلاثة التي هي موضع الاعتقاد» ولكنها علاقة تقوم بينه وبينها 
كلها مجموعة وليس هناك إلا حالة واحدة متضمنة لعلاقة الاعتقاد ولكن هذه الحالة 
تجمع الحدود الأربعة معا وتربطها بنسيج واحد. فما يحدث في الواقع حين يعتقد 
عطيل معتقده هو أن العلاقة التي نسميها «الاعتقاد» تجمع في منظومة مركبة واحدة 
الحدود الأربعة عطيل وديدمونا والحب وكاسيو. وما يسمى المعتقد أو الحكم ما 
هوإلا هذه العلاقة علاقة الاعتقاد أو الحكم التي تربط بين الذهن وبين عدة أشياء 
أخرى خارجة عنه. فأي فعل من نوع الاعتقاد أو الحكم يعني القيام به حصول 
علاقة الاعتقاد أو الحكم بين حدود معينة في وقت معين. 


نقائض الحقيقة أمْ نسِيجُها؟ة ‏ 35 


ونحن الآن في موقف نستطيع فيه أن نفهم ما الذي يميز بين حكم صادق حق 
وحكم فاسد أو باطل. وعلينا أن تتخذ بعض التعريفات لهذا الغرض ففي كل فعل 
من أفعال الحكم يوحد عقل يحكم وحدود يدور حكمه حولها. وسوف 
ندعوالعقل «الذات» ()ءءزطدة) في هذا الحكم. أما الحدود الأخرى فنسميها 
«الملوضوعات» (»وزناه) فحين يحكم عطيل بأن ديدمونا تحب كاسيو فعطيل هو 
الذات: بينما تكون الموضوعات ديدمونا والحب وكاسيو.ويطلق على الذات 
والموضوعات جميعا إسم «مقومات )(5]م25]1]06م) الحكم ولقد يلاحظ أن لعلاقة 
الحكم اتحاها معنيا ولعلنا أن نقول على سبيل الجاز أن هذه العلاقة تضفي على 
الموضوعات نظاما أو ترتيبا معيناء قد يظهر في ترتيب الكلمات في الجملة. 

فحكم عطيل أن كاسيو يحب ديدمونا يختلف عن حكمه أن ديدمونا تحب 
كاسيو بالرغم من أن مقومات الحكم في الحالتين واحدة» وذلك لأن علاقة الحكم 
تضع المقومات في ترتيب يختلف في الحالة الأولى عنه في الحالة الثانية. وبالمثل إذا 
حكم كاسيو أن ديدمونا تحب عطيلء فالمقومات هي واحدة هنا أيضا ولكن الترتيب 
مختلف. وهذه الخاصية وهي أن يكون للعلاقة اتجاه معين خاصية تشارك فيها علاقة 
الاعتقاد سائر العلاقات الأخرى. واتحاه العلاقات هو المصدر الأساسي لما يبدو في 
التسلسل الرياضي و كثير غيره من التصورات الرياضية من نظام»وهذه ناحية سوف 
لا نجهد أنفسنا ببحثها أكثر ثما فعلنا. 

وقد قلناعن علاقة «الحكم» أو «الاعتقاد) أنها علاقة تجمع «الذات 
وال موضوعات معافى منظومة مركبة واحدة» وهذا هو الشأن تماما فى سائر العلاقات 
الأخرى. فحيثما تقوم علاقة بين حدين أو أكثر فإنها توحد بين الحدود في منظومة 
مركبة واحدة. فإذا كان عطيل يحب ديدمونا فهذه المنظومة المركبة هي « حب عطيل 
لديدمونا». وقد تكون الحدود التي تم توحيدها بالعلاقة حدودا مركبة؛ أو بسيطة: 
ولكن المنظومة التي تتألف من التوحيد بينها لابد أن تكون مركبة وحيثما كانت 
هناك علاقة تربط بين حدود معينة فلابد أن يكون هناك موضوع مركب مؤلف من 
اتحاد هذه الحدود واجتماعها معا ويصدق العكس أيضاء فكلما كان هناك موضوع 


36 الحقيقة 


مركب فهناك علاقة تربط بين مقوماته وحين يحصل فعل الاعتقاد فهناك منظومة 
مركبة يكون فيها «الاعتقاد» العلاقة الموحدة بين الحدود والجامعة بينهاء ويتم ترتيب 
«الذات» والموضوعات على حسب ترتيب معين وفقا للاتحاه الذي تتخذه علاقة 
الاعتقاد. ولابد أن يكون من بين الموضوعات علاقة ما وذلك كما وجدنا في تدبر 
ول او کے كابدو) و العلاقة فى بده شال هن ا 
ولكن هذه العلاقة كما تظهر في عملية الاعتقاد ليست هي العلاقة التي تتولد بسببها 
الوحدة التى تتجلى فى المنظومة المركبة من الذات الفاعلة والموضوعات, ولكنها أي 
علاقة الحب كما تظهر في عملية الاعتقاد هي أحد الموضوعات» فهي لبنة البنيان 
التام وليست الملاط الذي يربط الأحجار الختلفة في ذلك البنيان» أما الملاط فهو 
علاقة «الاعتقاد» وحين يكون المعتقد صادقاء فإن هناك و حدة مر كبة أخرى» تولف 
بين الموضوعات فيها تلك العلاقة التي كانت أحد موضوعات الاعتقاد وهي هذه 
الصورة : إذا كان عطيل يعتقد اعتقادا صادقا أن ديدمونا تحب كاسيوء فإن هناك 
حينئذ وحدة مركبة هي «حب ديدمونا لكاسيو» مؤلفة من موضوعات الاعتقاد 
فقط»وهذه الموضوعات تأتي في هذه الوحدة بنفس التر تيب الذي ظهرت به في 
المعتقدء أما العلاقة التي كانت أحد | لموضوعات فهي هنا الملاط الذي يربط بين 
موضوعات المعتقد الأخرى. أما من الناحية الأخرى حين يكون المعتقد باطلا فليس 
هناك وحدة مركبة مؤلفة من موضوعات المعتقد. فإذا اعتقد عطيل اعتقادا باطلا أن 
ديدمونا تحب كاسيو فليس هناك وحدة مركبة كا حب ديدمونا لكاسيو». 


وعلى هذا فالمعتقد صادق حين يطابق منظومة مركبة مرتبطة» وباطل حين تعوزه 
هذه المطابقة» فإذا فرضنا لغرض الوضوح والدقة أن موضوعات الاعتقاد التي 
تتألف منها المنظومة حدان وعلاقة وأن الحدين يأتيان في ترتيب معين يقرره 
(الاتحاه» الذي يتخذه الاعتقاد» فالمعتقد حينئذ صادق إذا تم توحيد الحدين على 
ذلك الترتيب بتلك العلاقة وانتظامها بواسطتها في منظومة مركبة معينة أما إذا لم يتم 
ذلك فالمعتقد باطل. وهذا هو ما يؤلف ما نسعى إليه من تعريف الحق والباطل. 
فالحكم أوالاعتقاد منظومة ذات وحدة مركبة معينة يكون العقل جزءا منها. وإذا 


نقائض الحقيقة أم نسيجُها؟ 37 


تألف من الأجزاء الأخرى حين توؤخذ بالترتيب نفسه الذي أتت به في المعتقد 
منظومة أخرى ذات وحدة مر كبة فالمعتقد حينئذ صادق وإلا فهو باطل. 

وهكذا بالرغم من أن الصدق والباطل خاصيتان من خصائص المعتقدات إلا 
أنهما على معنى ما خاصيتان تفرضان من الخارج ذلك لأن شرط صدق المعتقد 
شر ط لا يتضمن المعتقدات أو أي عمل من العقول (إحمالا)» بل موضوعات المعتقد 
فقط فالعقل الذي يحكم ويعتقد» يعتقد اعتقادا صادقا حين تكون هناك منظومة 
مطابقة (للمعتقد) لا تتضمن العقل بل موضوعات فقط فهذه المطابقة هي التي يقوم 
عليها صدق المعتقد» ويعني انعدامها بطلان ذلك المعتقد. 

ومن ثم يمكننا أن نفسرفي وقت واحد الحقيقتين الآتيتين وهما1) تعتمد 
المعتقدات في وجودها على العقل 2) ولكنها لا تعتمد عليه في صدقها. 

ولعلنا نضع نظرياتنا بالصورة الآتية» إذا أخذنا معتقدا ما مثل «عطيل يعتقد أن 
ديدمونا تحب كاسيو) فإنا نطلق على ديدمونا و كاسيو الحدين اللذين هما موضوعان 
من موضوعات المعتقد ونسمى الحب العلاقة وهي أيضا موضوع من موضوعات 
المعتقد. فإذا كانت هناك منظومة ذات وحدة مركبة (كحب ديدمونا لكاسيو» 
مؤلفة من الحدين الموضوعين قد ربطت بينهما العلاقة التي هي الموضوع الثالث 
بنفس الترتيب الذي أتيا به في المعتقد» فهذه المنظومة ذات الوحدة المركبة تدعى إذن 
الواقعة المطابقة للمعتقد. وعلى هذا فالمعتقد صادق إذا كانت هناك واقعة مطابقة له 
وباطل إذا لم تكن هناك واقعة مطابقة. 

ويتضح أن العقول لا تخلق الصدق أو الباطل بل هي تخلق المعتقدات» ومتى تم 
خلق هذه المعتقدات يكون العقل عاجزا عن أن يجعلها صادقة أو باطلة باسثناء تلك 
الحالة الخاصة حين تتصل هذه المعتقدات بأمور في المستقبل يكون في طاقة المرء أن 
يقوم بهاء مثل اللحاق بالقطار وركوبه في الوقت المعين وما يجعل المعتقد صادقا إنما 
هو واقعة وهذه الواقعة (باستثناء حالات خاصة) لا تتضمن بأية صورة عقل المرء 

برتراند راسل : مشاكل الفلسفة. مكتبة نهضة مصر ‏ القاهرة. 


2 الحقيقة والقابلية لِنْحَضَّأ 





إن ما أقصده بقولي إننا لا نعرف شيئا هو أننا حتى عندما نقول الحقيقة» فإننا 
لسناعلى العموم متأكدين من أن الأمر يتعلق بهاء وذلك لأننا معرضون 
للخطأ. وإذا ما أبعدنا القابلية للخطأ. فإننا نبعد الحقيقة ذاتها أيضا. وهكذاء فإن 
البرهان الرئيسي الذي يمكن أن يحاج حكما لا مرد له كحكم الإعلام مثلاء هو 
أننا تمكن أن نخطىء إن هاتين الفكرتين : فكرة حقيقية مطلقة وفكرة أننا لا 
نعرف شيئاء فكرتان مترابطتان» إذا لم تكن هناك حقيقة مطلقة فإن كل ما أقوله 
إذن حقيقي. إننا لا يمكن أن نعي جهلنا إلا أزاء حقيقة مطلقة. إن فكرة حقيقة 
مطلقة فكرة ضرورية من أجل أن نعي قابليتنا للخطأ. ولكنها مهمة أيضا لسبب 
آخر : إنها تحنبنا اللجوء إلى كل أنواع الاعتذارات أو التأكيدات التي هي قابلة 
للدفاع في حد ذاتهاء ولكنها ليست صحيحة. إنها تسير في عكس اتحاه النزعة 
النسبية» التي ترى أن الحقيقة غير موجودة. إن صاحب النظرية النسبية» وهو 
أيضا واع بأننا لا نملك الحقيقة يود أن يمسك عن الحديث عنها. إنه لا يدرك بأن 
هذا الموقف يقود إلى إقامة ضرب من السلطة؛ وأن ينتهي إلى قانون الأقوى لا إلى 
قانون الحقيقة. 

وهنا أود التركيز على الأهمية الأساسية للنقد. ففي كل محالات المعرفة والفكر 
يتدخل عنصران مترابطان : أن تكون لدينا أفكار من ناحية» وأن تكون هذه الأفكار 
جديدة إذا كان ذلك ممكنا. ولكن هذا غير متيسر للجميع» ومن ناحية أخرى أن 
ننتقد هذه الأفكار وأن نعرضها للنقد. 

كارل بوبر 
عن حوارات في الفكر المعاصر ‏ البيادر ‏ الرباط 1991 


نقائِض الحقيقة أمْ نِيِيجّها؟ ‏ 39 





انتمى اركسيلاس صراحة إلى بيرون» وميز الشكاك من الاكاديميين بأن هؤلاء 
يقولون» أن لا شيء محقق ثم يفرقون بين المحتمل وغير المحتمل» والخير والشرء 
والحكمة والحماقة» فيقعون في التناقضء أما الشكاك فلا يوجبون ولا يسلبون 
أصلا. وأورد حججا عشرا لتبرير تعليق الحكم في المحسوسات» وثلاث حجج ضد 
العلم. 


وهذه هي الحجج العشر»ء جمعها من قدماء الفلاسفة ومن الاكاديعية الجديدة : 
الأولى إن اختلاف الأعضاء الحاسة في الحيوان والإنسان يستتبع أن لكل نوع 
إحساساته الخاصة ؛ فالرؤية مثلا تختلف باختلاف تر كيب العين ويختلف اللمس 
باختلاف جلد الحيوان فإنه منه المغطى بصدف أو ريش أو قشر أو شعرء ويختلف 
الذوق باختلاف رطوبة اللسان ويبوسته ؛ وإذن فلنا أن نقول عن الشيء المدرك 
بالحواس إنه يبدو لنا كذاء لا إنه كذا في ذاته» إذ لا يسوغ لنا أن نفرض أن إحساساتنا 
أصدق من إحساسات الحيوان. ‏ الحجة الثانية : ان اختلاف الناس جسما ونفسا 
يستتبع اختلاف إحساساتهم وأحكامهم فكيف الاختيار ؟ هل نرجع للأغلبية ؟ 
ولكن التجربة لا بمكن أن تتناول الناس جميعاء ثم إن الأغلبية تختلف بين بلد وبلدء 
بين عصر وعصرء فيتعين العدول عن الاختيار والامتنا ع عن الحكم- الحجة الثالثة: 
يدركها مسطحة. والرائحة اللذيذة الشم مؤدية للذوق وماء المطر مفيد للعين ضار 
للرؤية» ومن يدرينا ؟ لعل تباين اللإدراكات الحسية ناشىء من تباين حواسنا ؛ وإذن 
فنحن هنا أيضا ندرك الظواهر لا الحقائق ‏ الحجة الرابعة : إن إدراكات الحس 
الواحد تختلف باختلاف الظروف من سن وصحة ومرض ونوم ويقظة وانفعال 





00 الحقيقة 


وهدوء وغير ذلك» فمثلا العسل يبدو مرا في الحمى» وتبدو الأشياء صفراء للمصاب 
باليرقان» وإن قيل إن مثل هذه لحالاات مرضية استثنائية» أحاب الشكاك وكيف 
نعلم أن الصحة ليست ظرفا يغير الظواهر. ‏ والحجة الخامسة : إن الأشياء تبدو لنا 
باختلاف على 0 المسافات والأمكنة والأوضاع, فالسفينة البعيدة تبدو صغيرة 
ثابتة» فإذا ما اقتربت أ و اقتربنا منها بدت كبيرة متحركة» والبرج المربع يبدو مستديرا 
عن بعد» وتبدو العصا منكسرة ٥‏ في الماء مستقيمة خارجه» وضوء المصباح يبدو 
ضئيلا في الشمس ساطعا في الظلام» وإذا نظرنا إلى صورة عن بعد رأينا فيها بروزاء 
فإذا نظرنا إليها عن قرب بدت مسطحة ار ا ا و ادي 
حركته : فكيف السبيل إلى معرفة الأشياء بغض SS‏ 
والأوضاع التي تتنخذهاء والمسافات التي تفصلنا عنها ؟ ‏ الحجة السادسة : 

ا ا 
ضوء أو برد أو حركة؛ فلون الوجه يختلف في الحر وفي البرد» ويختلف الصوت فى 

اراي ل ا ق 
ضوء المصباح» ونحن لا ندرك الأشياء إلا بواسطة أعضاء الحواس» وامتزاجها 
بالأعضاء يفسد الإدراك كما رأينا في الحجة الرابعة فكيف السبيل إلى إدراك الشيء 
في نفسه مع استحالة فصله عما يحيط به. ‏ الحجة السابعة : إن الأشياء تبدو لنا 
باختلاف على حسب الكمية» فمثلا قرن المعزى يبدو أسود بينما قشوره تبدو 
بيضاء» وحبة الرمل تبدو خشنة بينما كومة الرمل تبدو رخوة»والنبيذ يقوينا إذا 
تعاطيناه باعتدال» ويضعفنا إذا أسرفنا. ‏ الحجة الثامنة : إن كل شىء نسبى بالاضافة 
آل الأعياة المدركة » وال الشعصن المذرك) فالقيء ليس إل البعيق أو البساره إلى 
أعلى أوإلى أسفل بنفسه» بل بالنسبة إلى شيء آخر» وكذلك الكبير والصغيرء والأب 
والابن ؛ وليس شيء مدركا في نفسه. ‏ الحجة التاسعة : إن الأشياء تبدو لنا 
باختلاف على حسب المألوف والنادر» فالنجم المذنب يدهشنا لندرته» ولولا أننا 
نرى الشمس كل يوم لكانت تبدو مخيفة» فليست صفات الأشياء هي علة أحكامنا 
عليها ؛ بل كثرة ورودها أو ندرته. ‏ الحجة العاشرة : اختلاف العادات والقوانين 


نقائض الحقيقة أم نسيجها ؟ 41 


والآراء ؛ فالمصريون يحنطون الموتى» والرومان يرقونهم»وبعض الشعوب يلقيهم في 
المستنقعات. ويجيز الفرس زواج الأبناء من أمهاتهم» ويجيز المصريون زواج الاخوة 
من أخواتهم» ويحظر القانون اليوناني كل ذلك. واختلاف الأديان» ومذاهب 
الفلاسفة ؛ وقصص الشعراء» معلومة للجميع» وإذن فكل ما نستطيع ان نقوله هو أن 
الناس رأوا أو يرون كذا أو كذاء أي ما بدا أو يبدو لهم حماء لا الحق في ذاته. - وهذه 
الحجج أنواع يبمكن ردها إلى واحدة هي حجة النسبية تعتبرها جنسا عاليا تحته أجناس 
ثلاثة : جنس خاص بالشخص المدرك» ويشمل الحجج الأربع الأولى» وجنس خاص 
بالموضوع المدرك» ويشمل الحجتين السابعة والعاشرة ؛ وجنس خاص بالشخص 
والملوضوع جميعاء ويشمل الخامسة والسادسة والثامنة والتاسعة. 

ونقده للعلم يعتبر أثره الخاص في المذهب, وكان لابد من هذا النقد ليتم له قوله 
بتعليق الحكم. وتعريف العلم بأنه معرفة العلل بالظواهر : فله حجة تبطل المعرفة 
بمعنى أنها معرفة الحقيقة» وأخرى تنقد العلية» وثالثة تنفي إمكان التأدي من الظواهر 
إلى العلل. فالحجة الأولى تقول إن وجحدت الحقيقة فهي لا تخلو أن تكون إما 
حسوسة وإما معقولة؛ ولكنها ليست محسوسة: لأن كل ماهو محسوس فهو مدرك 
بالحس ؛ وليست الحقيقة مدركة بالحس, لأن الإحساس بذاته خلو من البرهان» 
وليس كن إدراك الحقيقة دون برهان» فليست الحقيقة محسوسة» وهى ليست 
معقولة» وإلا لم يكن شيء محسوس حقيقياء وهذا باطل. - الحجة الثانية : لا يستطع 
الجسم أن يحدث جسماء إذ يستحيل أن يحدث شيء شيئا لم يكن موجوداء وأن 
يصير الواحد اثنين» ولايستطيع اللاجسمي أن يحدث لا جسميا وذلك لنفس 
الت ولسبب آخر هو أن الفعل والانفعال يقتضيان التماس» واللاجسمي منزه عن 
التماس فلايفعل ولاينفعل» ولا يستطيع الجسم أن يحدث لا جسمياء ولا 
اللاجسمي أن يحدث جسماء لأن الجسم لا يحتوي طبيعة اللاجسمي» 
واللاجسمي لا يحتوي طبيعة الجسمء فالعلية ممتنعة. ‏ الحجة الثالثة : يذهب الناس 
عامتهم وخاصتهم إلى أن الظواهر علامات العلل الخفية ؛ ولكن الظواهر أو 
العلامات تظهر واحدة للجميع» ولا تفسر على نحو واحد» مثل أعراض الأمراض 


2 الحقيقة 


تظهر للأطباء ويختلفون في تأويلهاء والاختلافات كثيرة من هذا القبيل في جميع 
فروع المعرفة» فالعلم ممتنع. 

وكان لأناسيداموس أتباع لم يحفظ التاريخ شيئا عنهم؛ فلا تفيدنا أسماؤهم. 
واحد فقط نعلم أقواله ونجهل زمانه وأحواله ؛ هو (أغريبا) يوضع في القرن الأول 
أو القرن الثاني للميلاد» ونذكره هنا استيفاء للكلام عن الشك. له خمس حجج : 
الأولى تناقض الفلاسفة فيما بينهم» وفيهما بينهم وبين العامة. - الثانية نسبية 
أحكامنا إليناء أو بعضها إلى بعض. وفي هاتين الحجتين تدخل حجج أناسيداموس 
العشر  :‏ الحجة الثالثة : التداعي إلى غير نهاية البرهان» معنى أن كل قضية فهي 
تتطلب برهاناء وهكذا إلى ما لا نهاية بحيث لا يتم برهان أبدا. ‏ الحجة الرابعة : إن 
المبادئ التي يعتمد عليها أصحاب اليقين لتفادي التسلسل في البرهان» فروض غير 
مبرهنة» فهي ليست أبين من نقائضها. ‏ الحجة الخامسة : إذا أردنا تفادي التسلسل 
فليس لدينا سوى البرهان الدوري الذي يقيم المقدمة على النتيجة؛ والنتيجة على 
المقدمة» فالبرهان ممتنع على كل حال. ‏ والحجتان الأولى والثانية خاصتان ممادة 
المعرفة ؛ أو بالمعرفة الحسية» والحجج الثلاث الباقية خاصة بصورة المعرفة أو بأصول 
المعرفية العقلية. والقسم الأول يرمي إلى أن اليقين غير موجود بالفعل» والقسم الثاني 
يرمي إلى أن اليقين لا يمكن أن يوجد. 

۰ يوسف كرم : تاريخ الفلسفة اليونانية 


2 الأدلة الكشرة للريبيين 


حمادی بن جاب الله 





... وسواء حللنا حقيقة الموقف الطبيعي وما ينطوي عليه من تلقائية ولوقية تشيء 
معطيات الشعور وجحعل منها كائنات مستقلة قائمة بذاتها أو حللنا حقيقة التعامل 
المباشر مع اللغة وماتتضمنة من مقالب لا شعورية تنتهي بنا- من حيث لا تحتسب - 


نقاتض الحقيقة أم نسيجها؟ة ‏ 43 





الى أخذ الكلمات مأخذ الأشياءء فإننا نحد أنفسنا دائما أمام حقيقة ثابتة وهي أن 
الموجودات ظواهر لا قوام لها إلا بشعورنا. 

تلك على ما يبدو النتيجة التي أرادها الريبيون فوظفوا لها الأدلة العشر التي 
توارئتها الأحيال عن سكتوس أمبيريكوسء أو عن ديوجين اللائرسي؛ أو عن فيلون 
والتي يمكن أن نصوغها باختزال شديد في هذا الجدول : 


اختلاف تركية أعضاء الحواس |اختلاف تركية أعضاء الحواس 


الأوضاع والمسافات والأمكنة | الأخلاق والعادات 
والاقتناعات الوبوقية 













الأوضاع والمسافات والأمكنة 


اوضع سات ر 
لف 


| 
| كرةظقاتوتشرتها | كرةللقدات وندرتن 
العلاقة 


الاخلاق والعادات والقناعات 
الونوقية 


حمادى بن حاب الله (مادة الربيبة) عن الموسوعة الفلسفية العربية بيروت»؛ 1988. 
















7 م 2 م دض م 5 م 7 
2 - فَعَدَدُ الحقائق بِتَعَدْدٍ زوايًا النُظر 
شل أسبيريسكوس 


فنفس السفينة تبدو من بعيد صغيرة وساكنة» ومن قريب تبدو كبيرة 
ومتحركة.ونفس البرج يبدو مستديرا من بعيد ومربعا من قريب. هذا فيما يتعلق 


4 الحقيقة 


بالمسافات» أما فيما يتعلق بالأماكن» فإن ضوء المصباح يبدو مظلما في الج 
ولامعا في الظلمةء ونفس الحداف يبدو في الماء منكسرا وخار ج الماء مستقيما. وفيما 
يتعلق بالأوضاع : نفس الصورة مقلوبة إلى الخلف تبدو مستوية» وإذا انحنت قليلا 
تبدو فيها نتوءات وتحاويف. ورقبة الحمامة تظهر ألوانا مختلفة حسب درجة انحناء 
الرقبة. ومادمنا نشاهد كل ألوان المظاهر بحسب المسافات» إذ كل وضع يأتي بتغيير 
في الاإدراك فإننا مضطرون إلى تعليق تعليق الحكم. 

سكتوس أمبيريكوس : «الأعمال الكاملة» عن بدوي : 

مدخل جديد إلى الفلسفة. الكويت» ص 117. 


2 الشك غاية يذ حدّ ذاته 





نقول لحد الآن إن غاية الريبي هي الطمأنينة في محال الرأي» والإعتدال في 
الضروريات. فإن الريبي بعد أن شرع يتفلسف في تمييز التمثلات ومعرفة صادقها 
و ادا سخا إل الطمأنينة» وقع على تنافر لايترجح منه طرف على طرف 
فاحجم» من عجزه» عن الحسم فيه» وواتته الصدفة فاعقبت تعليقه للحكم الطمأنينة 
في موضوعات الرأي. 

من ظن الأشياء حسنة بطبعها أو قبيحة ارتبك في كل أمر : فإن هو نشد ما يتوهمه 
خير فلم يجده»ظن بنفسه شر مهالك حقيقية» وظل يتعقب ما يبدو له خيراً. فإذا 
تمكن منه تممكّناء ازداد اضطرابه في التعليق به بغير عقل ولا اعتدال وخشي أن يتبدّل 
عليه» حرصا على الا يفلت منه شيء ولا يجتهد في طلب شيء فهو ينعم بالطمأنينة... 

لقد كان الريبيون يطمحون إلى الطمأنينة من خلال الحسم في ما يفرق المظاهر 
عن المفاهيم. فلما عجزوا عن ذلك علّقوا الحكي > فلازمتهم من ذلك» وجب 
صدفة حسنة» الطمأنينة ملازمة الظل للجسم. ومع ذلكء فإننا لا نظن الريبي خاليا 


نقائض الحقيقة أم نسيجها ؟ 45 


تماما من كل اضطرابء وإنما يأتيه الاضطرات في رأينا من الضرورات : ذلك أننا نقر 
بأن الريبي قد أحس أحيانا بالبرد أو بالعطش, وأنه قد ينطبع بانطباعات من هذا 
الجنس. ولكن في حين تقع العامة من ذلك تحت وطأتين» إحداهما من تلك 
الانطباعات عينهاء ومثلها من كونهم يعتبرونها قبيحة بالطبع» فإن الريبي الذي 
يرفض أن يعتقد أن كل واحد منها شر بالطبع» يظهر من الاعتدال أكثر منهم» 
فيتخلص بذلك من هذا الشر. لذلك فإن غاية الريبي في رأينا هي الطمأنينة في أمور 
الرأي» والاعتدال في الضرورات. ويضيف بعض مشاهير الريبيين غاية أخرى هي 


تعليق الحكم. 
سكستوس أمبيريكوس 
( مقار بات پارو نية) 
sextus Empiricus, esquisses Pyrrhoniennes, XII‏ 
عن كتاب النصوص الفلسفية : أنا أفكر 
من إعداد مجموعة من أساتذة الفلسفة تونس» 


طبع وزارة التربية والتعليم. 


2 - تَجْريَة الشك 





م فتشت عن علومي فوجدت نفسي عاطلا من علم موصوف بهذه الصفة إلا 
في الحسيّات والضروريات. فقلت : الآن بعد حصول اليأس» لا مطمع في اقتباس 
المشكلات إلا من الجليات» وهي الحسيات والضروريات. فلابد من إحكامها أولا 
لان أن ثقتى بالحسوسات؛ وأماني من لغلط في الضروريات» من جنس أماني 
الذي كان من قبل في التقليديات» ومن جنس أمان أكثر الخلق في النظريات› أم هو 
أمان محقق لا غدر فيه ولا غائلة له ؟ فأقبلت بجد بليغ أتأمل في المحسوسات 
والضروريات» وأنظر هل يمكنني أن أشكك نفسي فيها ؛ فانتهى بي طول التشكك 
إلى أن لم تسمح نفسي بتسليم الأمان في المحسوسات أيضاء وأخذت تتسع للشك 


46 الحقيقة 


فيها وتقول ياي انعد ERE‏ تقار ل الخال 
فتراه واقفا غير متحرك» وتحكم بنفي الحركة ؟ ثم بالتجربة والمشاهدة» بعد ساعة» 
0 
حالة وقوف. وتنظر إلى الكوكب فتراه صغيراً في مقدار دينار» ثم الأدلة الهندسية 
تدل على أنه أكبر من الأرض في المقدار. هذا وأمثاله من المحسوسات يحكم فيها 
حاكم الحس بأحكامه» ويكذبه حاكم العمل ويخونه تكذيبا لا سبيل إلى مدافعته» 
فقلت : قد بطلت الثقة بالمحسوسات أيضا فلعله لا ثقة إلا بالعقليات التي هي من 
الأوليات» كقولنا : العشرة أكثر من الثلاثة والنفي والإثبات لا يجتمعان في الشيء 
الواحد. والشيء الواحد لا يكون حادثا قديماء موجودا معدوماء واجبا محالا. 

فقالت المحسوسات : بم تأمن أن تكون ثقتك بالعقليات كثقتك بالمحسوسات» 
وقد كنت واثقا بي» فجاء حاكم العقل فكذبني» ولولا حاكم العقل لكنت تستمر 
على تصديقي» فلعل وراء إدراك العقل حاكما آخرء ادا بحلى, كذب العقل في 
حكمه. كما تحلى حاكم العقل فكذب الحس في حكمه. وعدم تحلي ذلك الاإدراك 
لايدل على استحالته. فتوقفت النفس في جواب ذلك قلیلا وأيدت أشكالها بالمنام, 
وقالت : أما تراك تعتقد في النوم أموراء وتتخيل أحوالاء وتعتقد لها ثباتا واستقراراء 
وو الاي انر ا كاله اويا حم لسحعط اويفام أنه لم يكن لجميع متخيلاتك 
ومعتقداتك أصل وطائل ؟ فيم تأمن أن يكون جميع ما تعتقده في يقظتك بحس أو 
قل قو سي و ا ی ا ا 
تكون نسبتها إلى يقظتك» كنسبة يقظتك إلى منامك وتكون يقظتك نوما بالإضافة 
إليها ! فإذا وردت تلك الحالة تيقنت أن جميع ما توهمت بعقلك خيالات لا حاصل 
لهاء ولعل تلك الحالة ما يدعيه الصوفية أنها حالتهم : إذ يزعمون أنهم يشاهدون في 
أحوالهم التي (لهم)» إذا غاصوا في أنفسهم» وغابوا عن حواسهم» أحوالا لا توافق 
هذه المعقولات. ولعل تلك هي حالة الموت» إذ قال رسول الله يل : 

«الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا» ؛ فلعل حياة الدنيا نوم بالإضافة إلى الآخرة. فإذا 
مات ظهرت له الأشياء» على خلاف ما يشاهده الآن» ويقال له عند ذلك : 


ائص الحفيقة أم نسيجها ؟ 47 


«فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد». فلما خطرت لي هذه الخواطر»ء (و) 
انقدحت في النفس» حاولت لذلك علاحا فلم بنيسرء إذ لم يكن دفعه إلا بدليل»و لم 
يمكن نصب دليل إلا من تركيب العلوم الأولية. فإذا لم تكن مسلمة لم يمكن ترتيب 
الدليل. فأعضل هذا الداء ودام قريبا من شهرين أنا فيهما على مذهب السفسطة 
بحكم الحالء لا بحكم النطق والمقال» حتى شفي الله تعالى من ذلك المرض» 
وعادت النفس إلى الصحة والاعتدال»ور جعت الضروريات العقلية مقبولة مونوقا 
بها على أمن ويقينء ولم يكن ذلك بنظم دليل وترتيب كلام» بل بنور قذفه الله تعالى 
في الصدر, وذلك النور هو مفتاح أكثر المعارف. فمن ظن أن الكشف موقوف على 
الأدلة المحررة فقد ضيق رحمة الله | تعالى | الواسعة. 
الغزالى» المنقذ من الضلال 
من ص 83 الى 87. دار الأتدلن دجتروت 


#272 الأشياء التي وضع مَؤضع الشك 





تين ٺي» منذ حين أنني تلقيت ابي ام لي 
ظننتها صحيحة ثم و ضح لي أن ما نبنيه بعد ذلك على مبادئ»تلك حالها من 
ار ای ر کپ کے رر ا ا 
ك 
اعدف الأشياء مين أسين يحديذ 6 إذا كنت اريد أن أقيم في العلوم قواعد وطيدة» 
ثابتة» مستقرة. غير أن المشروع بدا لي ضخماء للغاية» فتريثت حتى أدرك سنا لاسن 
أخرى» بعدها آمل أن أكون فيها أصلح نضجا لتنفيذه. من أجل هذا أرجأته مدة 
طويلة. أما اليوم فقد غدوت أعتقد أنني أخطىئ, إذا ترددت أيضاء دون أن أعمل في 
ما يقي لي من العمل. 


8 الحقيقة 


الآن وقد تخلصت من كل شاغل» وظفرت براحة مضمونة في عزلة مطمئنة 
فإنني أجحدني حرا في تقويض جميع آرائي القدية. وليس بواحب» كي أدرك هذه 
الغاية» أن أبين زيفها كلها. فقد لا أنتهي منه أبدا. وإنما يكفي» لرفضها كلها أن أجد 
لها سببا للشك فيها. إذ العقل يريني أنه ينبغي لي ألا أكون أقل رفضا للأمورء التي لم 

كل ما تلقيته» حتى الآن» على أنه أصدق الأمورء وأوثقهاء قد اكتسبته بالحواس» 
او عن طريق الحواس. غير إني وججدت الحواس خداعة»في بعض الاوقات» ومن 
الحكمة ألا نطمئن أبدا كل الاطمئنان إلى من يخدعناء ولو مرة واحدة. 

ولئن كانت الحواس تخدعناء بعض الأحيان» فى أشياء صغيرة جدا وبعيدة عن 
متناولناء فهناك أشياء كثيرة أخرى لا يعقل أن نشك فيهاء وأن نعرفها بطريق 
الحواس. مثال ذلكء أن ألبس عباءة المنزل» فأجلس هنا قرب النار» وقد مسكت بين 
يدي تلك الورقة» وأشياء أخرى من هذا القبيل. كيف أستطيع أن أنكر هاتين اليدين 
وهما يداي» وذلك الجسم وهو جسمي» اللهم إلا إذا أصبحت كبعض الخبولين» 
الذين اختلت أذهانهم» وغشي عليها بالأبخرة السود الصاعدة من الصفراء. هؤلاء 
لا ينفكون يؤكدون أنهم ملوك, في حين أنهم فقراء جدا. ولا ينفكون يوكدون أنهم 
يلبسون ثيابا موشاة بالذهب والأرجوان, في حين أنهم عراة جدا. ولا ينفكون 
شططا منهم إذا نسجت على منوالهم. لكن يترتب عليء في هذا المكان» أن اخذ 
بعين الاعتبار أنني إنسان» من عادتي أن أنام» وأن أرى في أحلامي الأشياء ذاتهاء 
حلمت أني حالس قرب النار» ههناء وقد لبست ثيابي» مع أني لا أنظر إلى هذه 
الورقة» بعينين نائمتين» ولا أن هذا الرأس الذي أهز هو رأسي ناعس. بالعكس. 
أيضا ليس بالواضح المتميز. إذ كثيرا ما أتذكرء وقد اطللت النظر في الأمرء أني 
انخدعت في الحلم عمثل هذه الرؤى. لذا أرى بغاية الجلاء» حين أقف عند هذه 


«قائص الحقيقة أم نسيجها ؟ 49 


الفكرة, أنه لا يوجد علامات قاطعة: ولا إمارات يقينية» كافية» نستطيع بها أن نميزء 
بين اليقظة والحلم» تمييزا دقيقا. وعليه فذهولي عظيم؛ حتى يكاد يقنعني بأني نائم. 
R. Descartes Medltallonn‏ 
تر حمة كمال الحاج. سلسلة زدني علما ؛ منشورات عويدات 
ط 3 198:3 الصفحات من 47 حتى 50 


ج الوهم والكدب 


2 الوَهْم وَالحَصّأ 





ليس التوهُم والخطأ شيئا واحداء كما أن التوهم ليس بالضرورة خطأ. إن ما 
لعا ٠‏ سكاو عن ٠.١‏ الدوه رايد E‏ 
الناس ‏ كان خطأ. كذلك خاطئ هو الرأي الذي كان يقول به به جيل سابق من 
اك أن سيا واي لدي الو الخطأ التي هذه الأخط. 
ل وحصة الرغبة في هذا الخطأ جلية ظاهرة. 
ومن الممكن أن نطلق صفة الوهم على زعم بعض ذوي النزعة الُقومية ممن يوتكدون 
أن العروق الهندية ‏ الجرومانية هي العروق البشرية الوحيدة المؤهلة للحضارة» أو 
أيضا على الاعتقاد بأن الطفل كائن محرد من الغريزة الجنسية» وهو الاعتقاد الذي 
تحطم للمرة الأولى على يد التحليل النفسي. وخاصة الوهم أنه متفرغ عن رغبات 
انسانية. وهو يقترب بذلك من الفكرة الهذيانية في الطب النفسيء ولكنه يظل 
متميزا حتى إذا لم نأخذ بعين الاعتبار البنية المعقدة ة للفكرة الهذيانية. 


(1) هزال مصاحب لمرض مزمن. 


0 الحقيقة 


إن الفكرة الهاذية متناقضة جوهرا ‏ ونحن نشدد على هذه الصفة ‏ مع الواقع ؛ 
بينما ليس الوهم بالحتم والضرورة خاطئاء أي غير قابل للتحقيق أو متناقضا مع 
الواقع. ان لفي مستطاع فتاة وضيعة النسب أن تتوهم نفسهاء على سبيل المثال» بأن 
أميرا من الأمراء سيأتي باحثا عنها ليتزوجها. والحال أن ذلك ممكن ؛ وقد حدثت 
فعلا بعض حالات من هذا النوع. بيد أنه لأمر أبعد بكثير عن الاحتمال أن يأتي 
المسيح المنتظر ويفتتح العصر الذهبي : ومن يدعو إلى اصدار حكم على هذا الاعتقاد 
فسيصنفه» تبعا لموقفه الشخصي» بين الأوهام أو بين نظائر الفكرة الهذيانية» وليس 
من اليسير عادة العثور على أمثلة من التوهمات الفعلية ؛ على أن توهم السيميائيين 
أنهم قادرون على تحويل جميع المعادن إلى ذهب يمكن أن يندرج في عداد تلك 
الأمثلة. وقد خفت الآن كثيرا الرغبة في امتلاك الذهب الكثير» في امتلاك أكبر قدر 
مكن من الذهبء بعد أن تطور فهمنا لطبيعة الغنى وشروطه ؛ على أن الكيمياء لم 
تعد مع ذلك تعتبر تحويل المعادن إلى ذهب من مستحيلات الأمور. هكذا نسمي 
توهما كل اعتقاد تكون الغلبة في حوافزه ومعللاته لتحقيق رغبة من الرغبات؛ 
ونحن لا نقيم اعتبارا في ذلك لعلاقات ذلك الاعتقاد بالواقع» تماما كما أن التوهم 
عينه ينكص عن أن يجد في الواقع توكيدا له. 

فرويد : مستقبل وهم. ت. ع.دار الطليعة ‏ بيروت. 


2 الوَهم الجِمَاعِي كُحَقِيقَةَ جِمَاعِيَّةٍ 






ديديي أنزيو 


إلى جانب الأشكال الثلاثة امجتمعية الكبرى للوهم التي وصفها فرويد منذ 
«الطوطم والتحرم) 0uطها‏ اه "0te‏ (1913-1912)» والتي عمقها لاحقا في أعماله 
التحليلنفسانية التي طبقها على الثقافة : الوهم الديني والوهم الفني والوهم الذي 
أحبذ تسميته بالوهم الايديولوجي بدلا من الفلسفي» إلى جانب هذه الأشكال 
اقترح إضافة وهم رابع الوهم الجماعي. 


تقاض الحقيقة ام ا ٠‏ 51 


يبدو لي أنه يمكن للممائلة المبينة أعلاه بين الجماعة والحلم أن تدفع الآن إلى أبعد 
من النقطة الأولى : ينتج الحلمء وهو الوهم الفردي بامتياز» في حالة من الرقاد. أي 
ما معناه في حالة من غياب التوظيف الأقصى للواقع الخارجي. والحال هذه ألا تدور 
هذه اللقاءات© في ظرف انعزال ثقافي» في مكان خارج الحياة المجتمعية والمهنية 
ولمدة تكون فترة استراحة بالنسبة إلى النشاطات المعتادة ؟ حيث يكون الواقع 
الموضوع» توظيف مفرط للجماعة, أي ما معناه نقل الليبيدو إلى الجماعة التي هي 
الواقع الوحيد الحاضر هنا والآن. وهكذا تصبح الجماعة موضوعا ليبيديا. ويؤكد 
فحص الجماعات الواقعية أن التوازن الاقتصادي الذي يعمل لديها هو التوازن عينه 
الذي اكتشفه فرويد بين ليبيدو الموضوع وليبيدو الأنا : هناك علاقة متبادلة عكسية 
بين التوظيف الجماعي للواقع والتوظيف النترحسي للجماعة. 

نقطة ثانية» يتعرض الجهاز النفساني» في الجماعة كما في الحلم إلى نكوص 
للترجسية الشانوية فقط» ولكن» وهنا إحدى أطروحاتي» للنرجسية الأولية. 
ولنختصر: في مثال النرجحسية الثانوية» تعاش مواجهة الأخرين كتهديد مقلق لضياع 
هوية الأنا. ويرد على هذا التهديد توظيف نرجسي مضاد يعلم الجميع جيدا 
مصاعب الاتصال والتماسك التي يسببها في الحياة وفي العمل ضمن الجماعة. 
يؤجحج ظرف الجماعة الجرح النرجسي عند الاعضاء. فيرد البعض بانطواء دفاعي 
حول ذاتهم» والبعض بتأكيد مصر أو ملح لأنا هم. 

تنتج الجماعة كالحلم أيضا نكوصا موقعيا.فلا يستطيع الأنا ولا الأنا الأعلى أن 
يراقبا.ما فيه الكفاية ‏ تمئلات النزوة. إذ تكون المصافتان الرئيسيتان للجهاز النفسي 
حينئذ» الهو والأنا المثالي المتميز بشكل سيء عن الهو» والذي يسعى» كما نعل 


(2) يقصد الكاتب الجماعات الاختبارية التي يتم تكوينها في المستشفى أو غيره لاختبار فرضية 
علاقة الجماعة بالأوهام التي تتكون لديها عن نفسها. 


52 الحقيقة 


ان تحقيق الانصهار مع الندي» منبع کل اللذات» وإلى الاحياء الاندماجي لهذا 
الموضوع الأول الجزئي ‏ للحب الضائع. فتصير الجماعة بالنسبة للأعضاء بديلا 


عن هذا ا موضوع الضائع. 

والشكل الثالث للنكو ص» النكو ص الشكلي» يلاحظ في اللجوء إلى أغاط قديعة 
للتعبير تكون أقرب إلى السيرورات الأولية» كالفكر الصوري» الحديث الأسطوري 
الشعري» التورية» حروف التعجب.لا بل الكلمات الصوتية» القرقرة أو أيضا 
الإشارات ما دون اللغوية» حركات»نظرات» ابتسامات ووضعيات للجسيم» 
إعائيات مستعارة من التعبير عن الانفعالات أو من الدلالات الرمزية الأولية التي 
يكتشفها الطفل عند لعبه مع أمه ومع حيطه. من هنا تتأتى الصعوبة» التي نلقاها غالبا 
في الصفوف المدرسية وفي الجتمعات العلمية؛ في المحافظة على مستوى | لسيرورة 
الثانوية في التبادل بين الأعضاء. 

يظهر أيضا نكوص الجهاز النفساني في ظرف الجماعة أو في الرقاد في 
خاصيات أخرى تتعلق في منطقة الحيز المكاني/الزماني. ولقد قادت ملاحظتنا 
الزملاء الذين أعمل معهم وقادتني أنا نفسي إلى أن نتبين أن الحيز الخيالي للجماعة 
هو اسقاط الجسد الأم المتهوم مع أعضائها الداخلية التي تشمل القضيب والأولاد 
المؤخرة : وعع8-واصهئد» وعنآ. ويعرض الزمن أيضا إلى نكوص : فلا يعود 
متسلسلا زمنيا ؛ وتبطل عدم قابليته للارتداد» تاركة المكان أحيانا للتكرار وإلى 
العود الأبدي» وتتركهء أحياناء إلى تهويمات العودة إلى الأصول وإلى البدء من 
جديد. 

تعتبر اليوتوبيا مكانا خارج المكان؛ عندهيطء1] مدة خارج الزمن. وتدخل 
الكائنات الانسانية في الجماعات كمن يدخل في الاتوبيا وفي عندومء0].وتحد 
مقولة المكاني ‏ الزماني الخاصة بالجماعة المعاشة» أنها الخاصة بالموضع الآخر. وإذا 
كان حقا أن اللاوعي هو جامع. أبديء و لايتلف» فإنه يشكل بالنسبة للانسان الغيرية 
بامتياز. إنه دائما أمر يستطيع كل واحد منا أن يحدده في موضع آخر. وتقدم 
الجماعة نفسهاء للأفراد الذين تجمعهم, هوامياء على أنها ذلك الحيز خارج الزمن؛ 


نقائض الحقيقة أم نسيجُها؟ 53 


ا ت ب ره د س 


تلك الجهة الأخرى للمراة حيث قد يجد لا وعيهم نفسه أخيرا متمثلا ومتحققا في 
كونه ما يشتركون فيه. إذ نحن نجمتمع.ما نتشابه. 
لقد برهنت لتوي أن إنتاج الوهم يمكن أن يكون على نفس القدر سواء جماعيا 
أو فرديا.ومن المناسب الآن أن أحدد الشكل المعين الذي يتخذه الوهم في الجماعة. 
أسمي «وهما جماعيا» حالة نفسانية خاصة تلاحظ على نفس القدر سواء في 
الجماعات الطبيعية أو العلاجية أوالتكوينية والتي يصوغها الأعضاء بتلقائية على 
الشكل التالي : «نحن متضامنون معاء نحن نكون جماعة صالحة» زعيمنا أو 
موجهنا هو زعيم صالح أو موجه صالح». 
ديديبه أنزيو : امماعة واللاوعي. ترجحمة : سعاد حرب. بيروت مج, 1990 
(مع بعض التعديل في الترجمة) 


2 الحقيقَة والكذب 





طالما بقينا في المستوى العادي للحقيقة ‏ أي في مستوى الملفوظ الكسول 
للقضايا المعتادة اليومية (من أسلوب : «إنها تمطر») ‏ فإن مشكل الكذب يخص 
القول فقط (أقول خطأ ما أعرف أو أعتقد أنه ليس حقيقيا ؛ لا أقول ما أعرف أو 
أعتقد أنه حقيقي). هذا الكذب, الذي يفترض إذن أن الحقيقة معروفة» نقيضه هو 
الصدق, في حين أن نقيض الحقيقة هو الخطأ. وهكذا يبدو أن الزوجين المتناقضين: 
كذب/صدق ثم خطأ/حقيقة لا تربط بينهما أية علاقة إذن. 

وكلما ارتفعنا نحو حقائق يتعين إنشاؤها وإعدادها فإن الحقيقة تدخل في مجال 
الأعمال والإنحازات» وخاصة إنجازات الحضارة. حينئذ يمكن أن يعني الكذب عن 
قرب الحقيقة الملبحوث عنها ؛ فالكذب «المخفي» حقيقة ليس مما يتعلق بقول الحقيقة 
المعروفة. وقد بدا لي أني قد لامست نقطة يكون فيها روح الكذب ‏ التي هي سابقة 


4 الحقيقة 


على الأكاذيب ‏ هو الأكثر ملامسة لروح الحقيقة» التي هي سابقة بدورها على 
الحقائق المتشكلة ؛ وهذه النقطة هي النقطة التي تبلور وتبرز فيها مسألة الحقيقة في 
مشكلة الوحدة الكلية للحقائق ولمستويات الحقيقة. إن روح الكذب تغذي وتمس 
الببحث عن الحقيقة بواسطة القلب» أي بواسطة مطلبها التوحيدي ؛ إنها الخطوة 
الخاطئة من الكل إلى ما هو شمولي (واستبدادي). إن هذا الانزلاق يحدث تاريخيا 
عندما تخضع سلطة سوسيولوجية ما وتنجح بهذا القدر أوذاك في تجميع كل 
مستويات الحقيقة وفي إخضاع الناس إلى عنف الوحدة. ولهذه السلطة 
السوسيولوجية وجهان تموذجيان : السلطة الكنسية للرهبان ([همعنوعككء جزمنامم 16) 
والسلطة السياسية. وقد يحدث فعلا أن يكون لكل من هذين السلطتين وظيفة 
تجميع حقاء إن الكلية الدينية والكلية السياسية هما عمليتا ضم شمولي لوجودنا ؛ 
وذاك هو سبب كونهما معرضين أكثر من غيرهما لزوح الكذب»وللسقوط من 
الكل إلى الكلياني. 


P. Ricceur : "Vérité et mensonge", in Histoire et vérité, Seuil 1964 p. 190-191 


3.النظرية التقليدية #4 الحقيقة 


3 الحقيقة عند أفلاطون ؛ رَمرُ الكَهْف 





سقراط : والآن» قارن طبيعتتا من وحهة التربية .عثل هذه التجربة. تأمل هذا ؟ 
أناس يقيمون تحت الأرض في مسكن أشبه بالكهف. مدخله الممتد إلى أعلى يواجه 
ضوء النهار. في هذا المسكن يقيمون منذ الطفولة مقيدين بالسلاسل من سيقانهم 
ورقابهم. بحيث يبقون في نفس الموضع, فلا يملكون إلا النظر إلى الأمام ليروا ما 
يواجههم. إنهم» بسبب هذه القيود والسلاسل» عاجزون عن التلفت حولهم 
برؤوسهم. في إمكانهم مع ذلك أن يبصروا نورا يأتي من أعلى ومن بعيد» وإن كان 
ينبعث من نار تلمع خلفهم. بين النار وبين المقيدين بالسلاسل (أي في ظهورهم) 
يمتد في الجهة العلوية طريق بني على طوله - تصور هذا جدار منخفض شبيه 
بالحواجز التي يقيمها المهرحون (أصحاب الألعاب البهلوانية والعرائس المتحركة) 
أمام الناس لكي يعرضوا عليهم العابهم. 

۵ قال»› هذا ما أراه. 

© تأمل كذلك كيف يعبر الناس على طول هذا الجدار الصغير حاملين مختلف 
الأشياء» من تماثيل وصور من الحجر والخشب وغير ذلك ثما يصنع البشرءفيتحدث 


56 الحقيقة 


0 صورة غريبة هذه التي تتكلم عنهاء هكذا قال» ومساجين من نوع غريب. 

قلت» إنهم يشبهوننا نحن البشر شبها تاما. مثل هؤلاء الناس لم تقع أعينهم 
منذ البداية ؛ سواء أكان ذلك من أنفسهم أو من غيرهم» إلا على الظلال التي تلقيها 
النار على جدار الكهف المواجه لهم. 

۵ قال» وكيف يمكن أن يكون الأمر غير ذلك ما داموا قد أجبروا على عدم 
تحريك رؤوسهم طوال حياتهم. 

لا ولكن ماذا عساهم يرون من هذه الأشياء التي يحملها الناس (خلف 
ظهورهم)» ألا يرون هذه الظلال نفسها ؟ 

ن الأمر كذلك في الواقع. 

© لو كان في وسعهم أن يتحدثوا مع بعضهم البعض عما يرونء ألا تعتقد أنهم 
كانوا سيحسبون أن ما يرونه هو الموجود ؟ 

بالضؤورة: 

ماذا يكون الأمر إذن لو أن هذا السجن تردد فيه صدى من الجدار المواجه 
اعتقدوا أن الحديث إنما يصدر عن الظلال التي تمر أمامهم ؟ 

ل لاشيء غير ذلك» بحق أيوس ؟ 

قلت» إن أمثال هوؤلاء المساجين لن يعتقدوا في واقع الأمر أن هناك شيئا حقيقيا 
سو ی ظلال الأدوات (التي يحملها العابرون). 

0 قال : بالطبع هذا أمر ضروري. 

قلت» تتبع إذن بنظرتك كيف يفك هؤلاء المسجونين من قيودهم ويشفون في 
نفس الوقت من فقدان البصيرة» وتفكر عندئذ كيف تكون طبيعة فقدان البصيرة 
هذه إذا حدث لهم ما يلي. كلما فكت السلاسل عن أحدهم وأجبر على الوقوف 


النظرية التقليدية في الحقيقة 57 


على قدميه فجأة والالتفات برقبته والسير قدما والتطلع إلى النور» فلن يقوى على 
ذلك إلا إذا عانى ألما (شديدا)» ولن يستطيع من خلال الوهج أن ينظرإلى تلك الأشياء 
التي رأى ظلالها من قبل. (لو أن ذلك كله حدث له) فماذا تحسبه يقول لو أن أحدا 
أخبره بأن ما رآاه من قبل لم يكن إلاعدماء وأنه الآن أقرب إلى الوجود وأن نظره أكثر 
صوابا لأنه يلتفت إلى ما هو أكثر وجودا ؟ ولو أن أحدا عرض عليه الأشياء التي 
مرت عليه واحدا بعد الآخر واضطره أن يجيب عن سؤاله عما هو هذا الشيى, ألا 
تعتقد أنه سيحار كيف يرد عليه وأنه سيعد ما رأه بعينيه من قبل أكثر حقيقة ثما يعرض 
عليه الآن ؟ 


ل بالطبع 

وإذا أجبر أحد على النظر إلى النور (المنبعث من النار)» ألن تؤلمه عيناه ويتمنى 
أن يحولهما عنه ويفر إلى ما يقوى على النظر إليه ويعتقد أن ما راه أوضح في الواقع 
بكثير ما يعرض الآن عليه ؟ 

قلت : وإذا حدث أن أحدا جذبه بالقوة من هناك وشده على الطريق الوعر 
(إلى خار ج الكهف) و لم يتركه قبل أن يعر ضه لضوء الشمس» ألن يشعر عندئذ بالا م 
والسخط ؟ ألن يحس» وقد وقف في نور الشمس» بأن عينيه قد بهرهما الضوء 
الساطع» وأنه لن يكون في وسعه أن يرى شيئا تما يقال له الآن إنه حق ؟ 

لا لن يقوى أبدا على ذلكء أو لن يقوى عليه فجأة على الأقل. 

ا أعتقد أن الأمر يحتاج إلى التعود إذا كان عليه أن يرى ما هناك (أي خارج 
الكهف في ضوء الشمس). إنه سيتمكن في أول الأمر (نتيجة لهذا التعود) من النظر 
في يسر شديد إلى الظلال» وسيكون في وسعه بعد ذلك أن يري صور الناس وبقية 
الأشياء منعكسة على صفحة الماء» إلى أن يتمكن أخيرا من رؤية الأشياء نفسها أي 
الموجودات الحقيقية بدلا من انعكاساتها). ألا يكون في وسعه أن يرى من بين هذه 
الأشياء ما (يتجلى) منها في قبة السماء كما يرى السماء نفسهاء وأن تكون رؤيته 


58 الحقيقة 


لها بالليل حين يتجه ببصره إلى ضوء النجوم والقمر أيسر من روئيته للشمس وضوئها 
بالنهار ؟ 

د لا شك في ذلك. 

ا أعتقد أنه سيتمكن في آخر الأمر من النظر إلى الشمس نفسهاء لا إلى صورتها 
المنعكسة في الماء أو حيثما ظهرت فحسب (وسيتمكن من النظر) إلى الشمس نفسها 
كما هي عليه في ذاتها وفي الوضع امحدد لهاء لكي يتأملها ويتعرف طبيعها. 

ل من الضروري أن يصل به الأمر إلى ذلك. 

ا وبعد أن يبلغ ذلك سيكون في مقدوره أن يحمل القول عنها (أي عن 
الشمس) فيعرف أنها هي التي تضمن (تعاقب) فصول السنة كما تضمن (مر) 
السنين وتتحكم في كل ما هو موجود الآن في محيط الرؤية»بل إنها (أي الشمس 
(علة كل ما يجده أولئك المقيمون في الكهف) على نحو من الأنحاء حاضرا 
أمامهم. 

لا واضح أنه سيصل إلى هذا (أي إلى الشمس وما يستضىء بنورها) بعد أن جاوز 
ذاك (أي ما كان ظلا وانعكاسا فحسب). 

يه ماذا يحدث إذن لو أنه تذكر سكنه الأول وتذكر المعرفة التي كانت سائدة فيه 
والمساجين الذين كانوا معه ؟ ألا تعتقد أنه سيسعد بهذا التغيير الذي حدث له بينما 
يأسف لأولئك ؟ 

ل أسفا شديدا ! 

فإذا حددت في المكان القديم (بين من كانوا يقيمون في الكهف) جوائز 
وألوان معينة من التكرم لكل من يرى الأشياء العابرة رؤية حادة» ويتذكر مار منها 
في المقدمة ثم ما يتبعها أو يتفق مروره معها في وقت واحد ويكون أقدرهم على 
التنبو مما سيأتي منها في المستقبل قبل غيره» أتعتقد أنه (أي ذلك الذي غادر الكهف 
ورأى الذين لا يزالون في الكهف) لكي يتنافس مع الذين يضعونهم موضع التكريم 


الدطريه التقليدية في الحقيقة 59 





غريب فقير (1)» وسيتحمل كل ما يمكن احتماله ويؤثر على اعتناق الآراء (التي 
يؤمنون بها في الكهف) والحياة كما يحبون ؟ 

ل أعتقد أنه سيفضل أن يحتمل كل شيء على أن يحيا تلك الحياة (التي يحيونها 
في الكهف). 

هه قلت : والآن تفكر في هذاء لو حدث لذلك الذي خرج على هذا النحو من 
الكهف أن هبط إليه مرة أخرى وجلس في نفس المكان (الذي كان يجلس فيه)» 

د قال طبيعي جدا أن يحدث له ذلك. 

#ا فإذا عاد إلى الجدال مع المقيدين الدائمين هناك حول الآراء امختلفة عن الظلال؛ 
في الوقت الذي لا تزال فيه عيناه تعشيان (من الضوء) قبل أن تعودا سيرتهما الأولى 
الأمر الذي سيستغرق منه زمنا غير قليل حتى يتعود عليه ألا تعتقد أنه سيعرض 
نفسه هناك للسخرية» وأنهم سيحاولون اقناعه بأنه لم يغادر الكهف إلا ليعود إليه 
بعينين عريضتين» وأن الأمر لا يستحق أبدا أن يشق الانسان على نفسه الصعود إلى 
هناك ؟ وإذا حاول أحد أن يمد يديه ليفك عنهم قيودهم ويصعد بهم إلى أعلى, (ألا 
تعتقد) أنهم لو استطاعوا أن يمسكوا به ويقتلوه فسوف يقتلونه حقا ؟. 

أفلاطون الجمهورية.عن النص الذي أورده هيدجر في 
«ماهية الحقيقة عند أفلاطون) (عن نداء الحقيقة) 


3 الحقيقّة الذينية والحقيمَة الفُلْسَمِيّةَ 





ابن رشد 


وإذا تقرر هذا كله» وكنا نعتقدء» معشر المسلمين» أن شريعتنا هذه الإلهية» حق» 
فأنها التي نبهت على هذه السعادة» ودعت إليهاء التي هي المعرفة بالله [إعز وحل]» 


0 الحقيقة 


وعخلوقاته» [فإن] ذلك متقرر عند كل مسلم من الطريق الذي اقتضته جبلته 
وطبيعته من التصديق» وذلك أن طباع الناس متفاضلة في التصديق» فمنهم من 
يصدق بالبرهان» ومنهم من يصدق بالأقاويل الجدلية تصديق صاحب البرهان 
[بالبرهان] إذ ليس في طباعه أكثر من ذلك» ومنهم من يصدق [بالأقاويل] الخطابية 
كتصديق صاحب البرهان بالأقاويل البرهانية. 

وذلك أنه لما كانت شريعتناء هذه الإلهية» قد دعت الناس من هذه الطرق 
الثلاث» عم التصديق بها كل إنسان» إلا من [جحدها] عنادا بلسانه» أو لم تتقرر 
عنده طرق الدعاة فيها إلى الله تعالى» لاغفاله ذلك من نفسه. 

ولذلك خْصّ عليه [الصلاة و] السلام بالبعث إلى الأحمر والأسود أعني لتضمن 
شريعته طرق الدعاء إلى الله تعالى» وذلك صريح في قوله تعالى : #أدع إلى سبيل 
ربك بالحكمة والموعظة الحسنة» وجادلهم بالتي هي أحسن#. 

وإذا كانت هذه [الشريعة] حقاء وداعية إلى النظر المؤدى إلى معرفة الحق» فإناء 
معشر المسلمين» نعلم» على القطعء أنه لا يؤدى النظر البرهاني إلى مخالفة ما ورد به 
الشرع؛ فإن الحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له. 

ابن رشد. فصل المقال» ص ص 30 - 32. 


3- التصورٌ التقليدي للحَقيقَة 





ثلاث أطروحات تميز التصور التقليدي لماهية الحقيقة وللفكرة التي تكونها عن 
تعريفها الأول. 

1 أن «مكان» الحقيقة هو المنطوق (الحكم) 

2 أن ماهية الحقيقة تقوم في »تطlبق( (adéquation)‏ الحكم مع موضوعه 


النظرية التقليدية في الحقيقة 6 


3- أن أرسطوء أب المنطقء.هو الفيلسوق الذي ربط الحقيقة بالحكم كمجال 
أصلي» وذلك في نفس الوقت الذي افتتح فيه تعريف الحقيقة «»كتطابق». 


Heidegger : l'être et le temps. Gallimard 1964, p. 259 


3 مَرَاجِلْ التّظريَّة التقليديّة عَن الحقيقّة 





هناك ازدواجية في تحديد ماهية الحقيقة نحدها سائدة عند أرسطو. ففي الفصل 
الختامي من الكتاب السابع من الميتافيزيقاء الذي يصل فيه تفكير أرسطو عن وجود 
الموجود إلى ذروته؛ نحد أن اللاتحجب هو الطابع الأساسي الغالب على الموجود. 
ومع ذلك فإن أرسطو يقول : «ليس الكذب (الباطل) والصدق (الحق) في الأشياء 
(الموضوعات) نفسها... وإغماهو في الغهم». 

إن حكم الفهم هو موطن الحقبقة والبطلان والفارق بينهما. وتكون العبارة 
حقيقية (صادقة) بقدر ما تتطابق معالموضوع. أي بقدر ما تكون تطابقا 
(هومويوزيس). هذا التحديد لماهية الحقيقة لم يعد يتضمن أية إهابة «بالأليثيا» 
مفهومة,معنى اللاتحجب؛ وإنما أصببحت «الأليغيا» ‏ بوصفها الضد المقابل 
(اللبسويدوس» - أي للكذب أو عدم الصحة ‏ على العكس من ذلك تفهم .معنى 
الصحة أو الصواب. ومنذ ذلك الحين أصبحت صياغة مفهوم الحقيقة بوصفها 
صحة التصور المعبر عنه بالقول هي الصياغة الملزمة للفكر الغربي كله. ويكفي أن 
نستشهد على هذا بالقضايا الأساسية التي تمثل الصيغة المعبرة عن ماهية الحقيقة في 
العصور الرئيسية التي تعاقبت على الميتافيزيقا. 

ففي العصر المدرسي الوسيط نحد عبارة توماس الأكويني : (توحد الحقيقة.معناها 
الصحيح في العقل (الفهم) البشري أو العقلي الالهي» (مسائل الحقيقة» السؤال 
الأول» المادة الرابعة» الإجابة). إن مكانها الأساسي في العقل. ولم تعد الحقيقة هنا 


62 الحقيقة 


هي «الأليثيا» (اللاتحجب) وإنما أصبحت هي «الهومويوزيس» (التطابق أو 
التوافق). 

وفي بداية العصر الحديث نحد ديكارت يقول في عبارة تفوق العبارة السابقة 
حدة : «إن الحقيقة (الصدق) أو البطلان (الكذب) بمعناها الصحيح لا يمكن أن 
توجد إلا في العقل (الفهم) وحده) (قواعد لهداية الذهن. القاعدة الثامنة). 

ومع بداية اكتمال العصر الحديث نحد نيتشه يقول في عباره تفوق العبارة الأخيرة 
أيضا في حدتها : «إن الحقيقة هي ذلك النوع من الخطأ الذي لا يستطيع نوع معين 
من الكائنات الحية أن يعيش بدونه». إن قيمة الحياة هي الشيء الحاسم في نهاية 
الأمر» (من خاطرة دونها نيتشه في سنة 21885 إرادة القوة» الحكمة 493). 

إذا كانت الحقيقة في نظر نيتشه نوعا من الخطأء فإن ماهيتها تكمن في طريقة 
التفكير التي قضى عليها بأن تزيف الواقع كلما اتحه التصور (العقلي) إلى تثبيت 
«السيرورة» الدائمة» وبذلك تدعى أن هذا الذي تثبته هو الواقع. مع أنه لا يتطابق 
مع الصيرورة السيالة (المتدفقة)» أي أنه بالنسبة إليها مخالف للصواب بل خطأ بين. 

وتحديد نيتشه للحقيقة بأنها عدم صواب الفكر ينطوي على الرضى بالتحديد 
التقليدي لماهية الحقيقة بأنها صواب (صحة) القول (لوجوس). ومفهوم نيتشه عن 
الحقيقة يعكس النتيحة النهائية التي تمخض عنها ذلك التحول الذي تم في ماهية 
الحقيقة فجعلها تنتقل من لا تحجب الموجود إلى صواب النظر. 

هيدجر : «نظرية أفلاطون عن الحقيقة». ترجمة : 
عبد الغفار مكاوي : نداء الحقيقة. القاهرة» ص 350 - 348 


3 أَرْبَعَهٌ أنماط من نَظَريَاتَ الحقيقّة 





عكن أن نميز» في سياق الفلسفة الحالية» أربعة أنماط أساسية من نظريات 
«الحقيقة» أو مايمائلها. وهي : ۰ 


النظرية التقليدية في الحقيقة 63 


1 التي تحل «القابلية للتصديق» محل الحقيقة. وهذه النظرية يدافع عنها جون ديوي 
ومدرسته. 

2- النظرية التي تحل «الاحتمالية») محل «الحقيقة». وهذه النظرية يدافع عنها راشينباخ. 

3- النظرية التي تعرف الحقيقة «بالتناسق». وهي النظرية التي يدافع عنها الهيجليون 
وبعض الوضعيين المناطقة. 

4 نظرية الحقيقة كتلاؤم (#عصهلدوموع:02» .) تتوقف فيها حقيقة القضايا الأساسية 
على علاقتها بسياق معين» كما تتوقف فيها حقيقة القضايا الأخرى على علاقتها 
التركيبية مع القضايا الأساسية [...] وهذه النظرية تأخذ شكلين : في إحداهما 
يتعين استخراج القضايا الأساسية من التجرية» وبالتالي فإن القضايا التي لا بمكن 
إيجاد علاقتها بالتجربة ليست لا حقيقية ولا خاطئة. وفي الشكل الثاني لا يكون 
للقضايا الأساسية علاقة مع التجربة بل فقط مع «الحدث»و وذلك باعتبار أنه إذا 
لم يكن لهذه القضايا علاقة مع التجربة فإنها لا يمكن أن تعرف. وهكذا فإن 
شكلي نظرية التلاؤم يختلفان من حيث العلاقة مع «الحقيقة» و«المعرفة». ارا 
والآن سأقول بأن «الحقيقة» تعرف بالتلاؤم إما مع «الحدث) أو مع «التجربة». 

وسأدعو نظرية التلاؤم مع التجربة بالنظرية الابستملوجية» ونظرية التلاوؤم مع 

الحدث بالنظرية المنطقية. 


Bertrand Russel 
Signification et vérité, Flammarion, 1969 p. 315 


3 المنطق كَشرْط سَلبِي للحقيقّة 





هنا ومفترضة من قبل ؛ لكننا نود أن نعرف ما هو المعيارالشمولي الكلي والأكيد 
لحقيقة كل معرفة (...). 


(*) شمولي» كلي» كوني كلها مقابلات لنفس الكلمة الافرنحية اموه ب«نهنا. 


64 الحقيقة 


ص 


إذا كانت الحقيقة تقوم في اتفاق المعرفة مع موضوعهاء فإنه يجب من ثمة أن 
يكون هذا ال موضوع متميزا عن ال موضوعات الأخرى ؛ إذ أن المعرفة تكون خاطئة 
إذا لم يكن الموضوع الذي ننسبه إليها غير مطابق لهاء حتى ولو كانت تضم مايمكن 
أن يصدق على موضوعات أخرى إذ أن معيارا كونيا للحقيقة سيكون ذلك الذي 
يصدق على كل المعارف.دون تمييز بين موضوعاتها. لكن من الواضح. - إذا ما قمنا 
بتجريده عن كل مضمون للمعرفة (في علاقتها عوضوعها)ء وإذا اعتبرنا أن المعرفة 
تخص هذا المضمون ‏ انه من المستحيل ومن غير المعقول تماما أن نسعى إل البحث 
عن علامة مميزة الحقيقة مضمون المعارف هذاء وأنه» بالتالي ليس باستطاعتنا أن نشير 
إلى علامة كافية وشمولية للحقيقة. وما أنه قد سبق وأن سمينا مضمون المعرفة مادة» 
فإنه يتعين علينا القول بأنه لا محال للمطالبة بعلامة شمولية فيما يخص حقيقة المعرفة 
من حيث مادتها لأن ذلك تناقض في حد ذاته. 

لكن فيما يخص المعرفة من حيث شكلها وحده (معزل عن كل مضمون)»ءفإنه 
من الواضح أيضا أن على المنطق» من حيث أنه يصوغ القواعد الشمولية 
والضرورية» أن يعرضء في هذه القواعد نفسهاء معايير الحقيقة. إذ أن ما يعارضها 
خطأ لأن الذهن يدخل فيها في تناقض مع القواعد الشمولية لفكره» وبالتالي يدخل 
في تناقض مع ذاته. لكن هذه المعايبر لا تخص سوى شكل الحقيقة» أي الفكر 
بصورة عامة ؛ وإذا كانت هذه المعابير صائبة تماماء فإنها مع ذلك غيركافية (...). 

من حيث إن شكل المعرفة» حتى ولو كان على اتفاق مع القوانين المنطقية» بعيد 
جدا عن القدرة على تشكيل الحقيقة المادية (الملوضوعية) للمعرفة» فإنه لا أحد يستطيع 
أن يغامر ‏ بواسطة المنطق وحده ‏ بالحكم على ال موضوعات وبأن يؤكد عنها شيئا 
دون أن يكون قد تلقى عنها ‏ بعيدا عن المنطق ‏ معلومات معمقة» وبعد ذلك فقط 
يمكنه أن يبحث عن استعمالها وعلاقاتها الداخلية ضمن كل منسجم وفق قوانين 
المنطق»› ویعکنه» أحسن من ذلك» أن يخضعها للاختبار انطلاقا من هذه القوانين. 

ومع ذلك هناك شيء في غاية الاغراء يتمثل في ملك فن جميل المظهرء يقوم على 
أن نعطي لكل معارفنا شكل الذهن» رغم أنهاء بالنظر إلى محتواهاء يمكن أن تكون 


النظرية التقليدية في الحقيقة 65 


مازالت فقيرة جدا وفارغة كثيراء وأن هذا المنطق العام» الذي ليس إلاقانونا من أجل 
الحكم» يستعمل هنا أيضا كقانون عام للانتاج الواقعي (على الأقل بواسطة الوهم) 
لتأكيدات موضوعية ؛ فإن المنطق العام من حيث هو قانون عام مزعوم يدعى 
بالديالكتيك. 

كنط : نقد العقل الخالص 1781. المنطق المتعالى ‏ المقدمة 111 


3 أسَانُ التّصّوْر التقليدي للحقيقّة 





ي سواء أكان شيئا أو حكماء هو ما يتوافق ويتطابق. أن يكون الشيء 
حقيقيًا والحقيقة يعنيان هنا التوافق» وذلك بطريقة مزدوجة : أولا كتطابق , بين الشيء 

وما تتصوره عنه» ثم کتطابق بين ما يدل عليه الملفوظ وبين الشّيء. هذه الخاصية 
المزدوجة للتوافق تظهر التعريف التقليدي لماهية الحقيقة : الحقيقة هي تطابق الشيء 
مع العقل. فقد يعني ذلك : الحقيقة هي تطابق الشيء مع المعرفة» كما بمكن أن يفهم 
أيضا على الوجه التالي : الحقيقة هي تطابق المعرفة مع الشيء . إلا أن هذا الفهم 
للحقيقة» كحقيقة حكم. ليس ممكنا إلا إذا كان أساسه هو حقيقة الشيء أي تطابق 
الشيء مع العقل. هذان التصوران لماهية الحقيقة يقصدان دائما «التلاؤم» مع...» 
ويفكران في الحقيقة كتوافق ومع ذلكء فإن أحد التصورين ليس فقط ناتمحا عن قلب 
الآخر : على العكس من ذلك حد أن الفکر )ہصInte1lectu(‏ والشيء )Re5(‏ یفکر 
فيهما بطريقة مختلفة فى الحالتين. من أجل التأكد من ذلك علينا أن نرد التعبير الجاري 
للتصور المتداول للحقيقة إلى أصله المباشر (القروسطي). فالحقيقة» مؤولة كتطابق 
للشيء مع الفكرء لا تعبر بعد عن الفكر المتعالي لدى كنط الذي هو فكر لاحقء ولّن 
يصبح ممكنا إلا انطلاقا من الماهية الإنسانية كذاتية» هذا الفكر الذي يعتبر أن 
«الموضوعات ران بوم زناه بل إن هذه الحقيقة تصدر عن الإيمان المسيحي 
وعن الفكرة اللاهوتية اللذين يعتبران أن الأشياء في ماهيتها ووجودهاء لا توجد إلا 


66 الحقيقة 


من حيث إنهاء كموجودات تخلوقة (ہں ھم۲ وم8) تلائم الفكرة المتصورة سلفا من 
طرف العقل أو الفكر الإلهي» أو الروح الإلهية. فالأشياء إذن منتظمة وفق هذه 
الفكرة» ومتطابقة معهاء وبهذا المعنى» فهى «(حقيقة». والعقل الإنساني هو بدوره 
موجحود خلوق: وباعتبارة ملكة منحها الله للائسات؛ يكون من اللازم على هذا 
العقل الإنساني أن يكون متطابقا مع فكرته. إلا أنه لا يكون كذلك إلا عندما يحقق 
في أحكامه تطابق المتصور مع الشيء كما أن على هذا الشيء من جهته. أن يكون 
مطابقا للفكرة (سداءء1اء]م]). وإذا كان كل موجود ((مخلوقا» فإن إمكانية حقيقة 
المعرفة البشرية تتأسس على كون الشيء والحكم» من حيث إنهما مطابقين للفكرة 
وصادرين عن وحدة خطة الخلق الالهية» فانهما متناسقان أحدهما بالنسبة للااخرء 
إن الحقيقة كتطابق للشيء المخلوق مع العقل (الإلهي) تضمن الحقيقة كتطابق للعقل 
(البشري) مع الخالق. الحقيقة تعني أساسا وفي كل الحالات توافق الموجودات فيما 
بينهما والذي يتأسس بدوره على توافق اخلوقات وتلاؤمها مع خالقها وهو 
«التناسق» المحدد من قبل نظام الخلق. 


إلا أن هذا النظام» إذا ما فصل عن فكرة الخلق» فإنه يمكن أيضا تمثله بطريقة غير 
محددة وعامة على أنه نظام العالم. وبدل نظام الخلق المتصور لاهوتياء ينبثق التنظيم 
الممكن لكل الموضوعات بواسطة الفكر الذي يعطي لنفسه - كرياضيات شمولية - 
قانو نه ا لخاص» ويصادر بذلك على المعقولية المباشرة للمحاولات التي تشكل مساره 
(الذي نعتبره «منطقيا»). ليس من الضروري إذن أن نبرز بصفة خاصة كون ماهية 
حقيقة الحكم تقوم في توافق الملفوظ. وحتى عندما مهد أنفسنا ‏ دون فائدة - 
لتفسير كيف يتم ذلك التوافق» فإننا نفترض هذا التوافق سلفا كماهية للحقيقة. 
وبالمثل» فإن حقيقة الشيء تعني دائما اتفاق الشيء المعطى مع مفهومه الأساسي كما 
يتصوره «الفكر». هكذا يتولد المظهر القائل بأن هذا التصور لماهية الحقيقة مستقل 
عن التأويل المتعلق مماهية وجحود كل موجود» ومع ذلك فإن هذه الأخيرة تتضمن 
بالضرورة تأويلا مقابلا يتعلق .كماهية الإنسان بوصفه حاملا ومحققا للعقل. هكذا 
تكتسب صيغة ماهية الحقيقة (الحقيقة هي توافق العقل والشيء) بالنسبة لكل إنسان 


النظرية التقليدية في الحقيقة 67 


وبصفة مباشرة» صلاحية بديهية. وتحت تأثير بداهة هذا التصور للحقيقة الذي م 
يحظ بالتأمل الكافي في أسسه الرئيشية سل اش بداهة بأن للحقيقة ضدا وأن 
هناك نوعا من اللاحقيقة. فلا حقيقة حكم (اللاتوافق) هي عدم توافق الملفوظ مع 
الشيء. فلا حقيقة الشيء (اللا أصالة) تعني عدم تطابق موجود مع ماهيته. 
فلاحقيقة الشيء (الا أصالة) تعني عدم تطابق موجود مع ماهيته. فاللاحقيقة 
نفهمها في كل مرة كعدم تطابق. وهذا اللاتطابق يسقط إذن خارج ماهية الحقيقة. 
وهذا ما يجعل أن اللاحقيقة» كضد متصور هكذا للحقيقة» يمكن أن تكون محط 
إهمال إذا ما تعلق الأمر بإدراك الماهية الخالصة للحقيقة. هل مازال من الضروري 
الكشف أكثر عن ماهية الحقيقة ؟ ألم توضح الماهية الخالصة للحقيقة هما فيه الكفاية 
عن طريق هذا المفهوم الصالح لدى العموم والذي لا تشوش عليه أية نظرية والذي 
تحميه بديهيته ؟. عندما نأخذ أخيرا اختزال حقيقة الحكم إلى حقيقة الشيء على ما 
تعنيه عادة» أي كتفسير لاهوتي» وعندما نسهر على إبعاد التحديد الفلسفي للماهية 
عن كل تدخل للاهوت» وعندما نقصر مفهوم الحقيقة على حقيقة الحكم فإننا 
ننضم إلى تقليد فكري قديم ‏ ليس الاقدم حقا - ويرى أن الحقيقة تكمن في توافق 
منطوق ما مَحَ شيء ما. 


Heidegger : De l'essence de la vérité 


3- الحقيقي هُوَ المفيد 





أقول إن الحقيقة صفة أو خاصية لبعض أفكارنا. فهي تعني اتفاقها مع الواقع 
تماماء مثلما يعني الباطل اختلافها معه. وكلا البراجماتيين والعقليين يتقبلون هذا 
وحيث إلا تنسخ] أفكارنا بالفعل» وقطعاء موضوعها فماذا يعني الاتفاق مع 
ذلك الموضوع ؟... إن البرجماتية تسأل سؤالها المألوف : فهي تقول : «إذا سلمنا 


68 الحقيقة 


بصحة فكرة أو عقيدة» فما هو الفرق الملموس الذي يحدثه كونها صحيحة في 
الحياة الواقعة الفعلية لأي امرئ ؟ 


ما هي الخيرات التي (ررىا) تختلف عن تلك الخيرات التي تحصل إذا كان الاعتقاد 
باطلا ؟ كيف ستتحقق الحقيقة ؟ وبالاختصار ما هي القيمة الفورية للحقيقة» مقدرة 
بحريبيا ؟). 

وفى اللحظة التى تسأل فيها البرجماتية هذا السؤال» فإنها ترى الجواب : 
الأفكار الصحيحة هي تلك الأفكار التي نستطيع هضمها وتمثيلها ودمغها 
بالمشروعية وتعزيزها وتوثيقها وإقامة الدليل عليها. والأفكار الخاطئة هي تلك التي 
لا نستطيع ذلك معها. هذا هو الفرق العلمي الذي يحدث لنا إذا كانت لدينا أفكار 
صحيحة. ومن ثم فهذا هو معنى الحقيقة ؛ لأن ذلك هو كل ما نعرفه عن الحقيقة. 

إن حقيقة فكرة ليست خاصة أو صفة كاسدة متوقفة عن التقدم أو النماء» وليدة 
ذاتها فيها. إن الحق يحدث للفكرة . الفكرة تصبح حقيقة أو صحيحة. إن الأحداث 
تحعلها صحيحة أو حقيقة. 


و من الأمر» حدث» سبيل» ألا وهو سبيل إثباتها لنفسهاء 
سبيل برهنتها. فصدقها أو صحتها أو مشروعيتها هو سبيل ترسيخها وتصحيحها 
والدفع.مشروعيتها. 

«إن الاتفاق» في أوسع معنى» مع حقيقة أو واقع لاعكن أن يعني إلا الاهتداء إما 
مباشرة إليها على خط مستقيم» وإما الى مكتنفاتها أو مناهزتها وملامستها علميا 

لدرجة تمكن من الإمساك بها أو بشيء مرتبط بها على نحو أحسن وأوفى ما لو 
اختلفنا معها. أحسن إما عقليا وفكريا وإما علميا وإجرائيا. 

إن أي فكرة تساعدنا على أن نعالج ‏ سواء أكان ذلك علميا أم فكريا ‏ الواقع 
أو متعلقاته» وبحيث لا تعرقل تقدمنا في ضروب من حبوط المساعي والكبت» 
وبحيث تلائم وتزود وتناسب» في الواقع من الأمرء حياتناء لوضع الحقيقة الواقعة 


النظرية التقليدية في الحقيقة 69 


برمته» سوف تتفق ,ما فيه الكفاية لملاقاة المطلب. وستكون صحيحة بالنسبة لتلك 
الحقيقة الواقعة. 
إن الحقيقي في أوجز عبارة «ليس سوى النافع الموافق المطلوب في سبيل تفكيرناء 
تماما كما أن الصواب ليس سوى الموافق النافع المطلوب في سبيل مسلكنا». 
وليم جيمس : البرغماتية الترجحمة العربية 


3 الحقِيَة من حَيْثُ هي صِذق 





4 إن الفكرة الصادقة صدقا أوليا» هي فكرة محرد إمكانها يضمن صدقها. 
5 إننا لا نستطيع أن نعرف أوليا عن فكرة ما أنها صادقةء إلا إذا كان من 
الممكن أن نتبين صدقها من الفكرة نفسها (بدون أن يكون هنالك شيء مقابل 


نقرنها به). 
2 فالقضية تظهر معناها. إن القضية تظهر لنا كيف تو جد الأشياء إذا كانت 
صادقة. 


كما تخبرنا بأن الأشياء مو حودة على هذا النحو. 

3 و التصوير التالي يوضح فكرة الصدق» وهو بقعة سوداء على صفحة بيضاء 
فيمكن وصف شكل البقعة بأن نقول عن كل نقطة من النقاط التي يتكون منها 
المسطح ما إذا كانت بيضاء أو سوداء. 

وكون نقطة ما سوداء اللونء» يقابله واقعة موجبة» كما أن كون نقطة أخرى 

فإذا ما أشرت إلى نقطة ما من نقاط المسطح (أي قيمة صدق باصطلاح فريجة) 


70 الحقيقة 


ولكي أستطيع القول بأن نقطة ما سوداء أو بيضاء اللون» يجب علي أن أعرف 
أولا الشروط التي بناء عليها تسمى النقطة بيضاء أو سوداء أي أنني لكي أستطيع 
القول بأن «ق» صادقة (أو كاذبة) يجب علي أن أكون قد حددت الشروط التي بناء 
عليها أدعو «ق» بأنها صادقة» وبناء على ذلك أحدد معنى القضية. 

على أن هذا التشبيه محدود المدى» وحدوده هي : إننا يمكننا أن نعين نقطة ما على 
الورقة بدون أن نعرف ما هو الأبيض أو الأسود., إلا أن النقطة الخالية من المعنى لا 
يقابلها شيء على الإطلاق لأنها لا تشير إلى شيء (أي قيمة صدق) يقال عن صفاته 
أنها «كاذبة» أو «صادقة». وليس وصف القضية بكونها صادقة أو كاذبة ‏ شيئا 
يجيء خارج القضية ‏ كما ظن فريجة ‏ بل الصدق لابد أن يكون محتوى في القضية 
نفسها بالفعل. 

6 وهناك حالتان متطرفتان من بين مجموعات شروط ‏ الصدق. 

حالة تكون فيها القضية صادقة بالنسبة لكل إمكانات ‏ صدق القضايا الأولية. 
وأننا بهذا نقول إن شروط ‏ الصدق هي تحصيل حاصل. 

وفي الحالة الثانية تكون القضية كاذبة بالنسبة لكل إمكانات ‏ الصدق ‏ وبهذا 
تكون شروط الصدق هي التناقض الذاتي. 

في الحالة الأولى نسمي القضية بقضية تحصيل الحاصلء وفي الحالة الثانية نسميها 

1 إذا لزم صدق قضية ما عن صدق قضايا أخرى ؛ فإن ذلك يتجلى في 
العلاقات الموجودة بين صور هذه القضايا بعضها مع بعض» ولسنا عندئذ في حاجة 
إلى ربطها بعضها ببعض بهذه العلاقات منذ البداية في قضية واحدة» لأن هذه 
العلاقات علاقات داخلية» وهي توجد ممجرد وجود القضايا ونتيجة لوجودها 

3 وإذا ل يتبع صدق قضية كونها واضحة لناء فإن الوضوح ل يبرر اعتقادنا 
في صدقها. 


النظرية التقليدية في الحقيقة 71 


3 إن جميع قضايا اللغة الدارجة هي بالفعل» في واقعها الذي تقع به مرتبة 
ترتيبا منطقيا كاملا. غير أن هذه الحقيقة التي نبسطها هنا ليست من قبيل النموذج 
المصغر للحقيقة الكاملة بنفسها. 

(فمشكلاتنا ليست محردة» بل رها تكون أكثر تحسيما من أي شيء آخر). 

ل. فتجنشتاين رسالة منطقية فلسفية. 
ترحمة عزمي إسلام. مكتبة الانحلو ‏ القاهرة 1968 





- الحفيقة كفقيمة 





إن العقل» من حيث هو وسيلة للحفاظ على الفرد» يطور قدراته الأساسية في 
الغا و اها حر الاذاة التي يستطيع الأفراد الضعاف» ومن هم أقل قوة 
باعتبارهم يمثلون أولئك الذين حرمو امن وسائل الدفاع والمقاومة بهدف الحفاظ على 
وجودهم من عدوان قرون أو فك حاد لحيوان مفترس» يستطيعون أن يحققوا 
الاستمرار في الحياة. لدى الانسان يبلغ فن الإخفاء ذروته حيث يغدو الوهم والتملق 
والكذب والنميمة والغش والاعتداد بالنفسء والمظاهر البراقة» وارتداء الأقنعة 
وحجاب العرف, وانتحال أدوار زائفة الخداع الذات والغير» وبإيجاز سيرك التملق 
المتواصل بهدف إشباع رغبة عابرة من الغرور والاعتداد بالنفس» كل تلك تغدو هي 
القاعدة والقانون إلى درحة أنه يصعب تصو ر غريزة للحقيقة صافية وأمينة بين البشر. 

وهؤلاء البشر غارقون كلياً في أعماق سحيقة من الأوهام والأحلام. فَعَيْلهُم لا 
تحيد إلا الانزلاق على سطح الأشياء» ولا تبصر سوى محرد «أشكال». أما اللإحساس 
فلا يقود أبدا نحو الحقيقة» بل يكتفي بتلقي الإحساسات اللمثيرة ومداعبة السطح 
الخارجي للأشياء. 


74 الحقيقة 


بالإضافة إلى كل ذلك فإن الإنسان خلال حياته يمارس الخدا ع على نفسه في ليل 
الأحلام دون أن يحول حسه الأخلاقي ضد ذلكء بينما هناك أناس حاربوا هذه 
الكوابيس بقوة إرادتهم[...]. 

فمن أين حكن أن تظهر غريزة الحقيقة في هذا العا لم ؟ 

عا أن الفرد في مواجهته لباقي الأفراد يريد الحفاظ على نفسه» فهو غالبا ما 
يستعمل العقل في الظروف العادية» لكن هما أن الانسان مدعو بحكم الضرورة 
والضجر إلى أن يعيش مع الآ خرين في الجتمع» فإنه يجد نفسه مضطرا لمسالمة الغير 
وإلى استبعاد الشراسات الناتجحة عن «حرب الكل ضد الكل». ويصاحب حالة 
المسالمة هاته شيء شبيه بالخنطوة الأولى التي يأمل من ورائها بلو غ غريزة الحقيقة تلك 
الغريزة الغامضة [ ...]. 

فالناس لا يحاولون اجتناب الخديعة بقدر ما يحاولون تحنب الآثار الضارة 
الناجمة عنها. وفي هذا المستوى فإنهم لا يكرهون الوهم؛لكنهم يخافون 
العواقب السيئة الناتحة عن بعض أنواع الوهم. وبهذا المعنى المحدد ينشد الاإنسان 
الحقيقة» فهو يطمع في النتائج الحميدة للحقيقة» وبالضبط النتائج التي من شأنها 
امحافظة على | لحياة. أما تحاه المعرفة الخاصة التي لا يترتب عنها أي شيء فإنه يظل 
غير مكترث» بينما يتخذ موقفا اعتياديا تحاه الحقائق التي تتسبب له في بعض 
ضار 

فما هي الحقيقة إذن ؟ 

إنها مججموعة حية من الاستعارات والتشبيهات واججحازات» وهي بإيجاز» حاصل 
علاقات إنسانية تم تحويرها وتجميلها شعريا وبلاغياً حتى غدت» مع طول 
الاستعمال» تبدو لشعب من الشعوب دقيقة وذات مشروعية وسلطة مكرهة. إلا أن 
الحقائق هي عبارة عن أوهام نسينا أنها كذلك؛ واستعارات استخدمت كثيرا حتى 
عدت نر يا امس ل قد نقذ ال لير لبها رد د لبوك ل 
أنها قطع نقدية بل جرد مادة معدنية. 


تحولات مفهوم الحقيقة 75 


إننا لم نتوصل بعد إلى معرفة مصدر غريزة الحقيقة» ذلك أن كل ما نسمعه في 
الوقت الحاضر يقتصر فقط على مظاهر الاكراه التي يفرضها المجتمع لكي يحقق 
وجوده : أن يكون المرء صادقا هو أن سيتحمل الاستعارات المقبولة والمتداولة. 

وبلغة الأخلاق فإن الأمر يتعلق بالإكراه على الكذب طبق عرف متَشَدّد 
Es‏ 

بدون ذلك لا حقيقة حقيقة ولا مجتمع ولا حضارة بل الأزمة المأساوية. 

إن كل ما هو طيّْبْ وخيرء وكل ماهو جميلٌ مصدرٌة الوهم. إن الحقيقة تقتل بل 
أكثر من ذلكء إنها تقتل ذاتها عندما تكتشف أن أساسها هو الخطأ». 


مقتطفات متفرقة من 1969 درمترهصرواط عنطمهدهاتطم Nietzche : Le livre du‏ 


4 الحقيقة واللدَّة والخلاصُ 





يبدو لي أن لدى المسيحيين ‏ إذا فهمت الأمر جيدا ‏ نوعا من معيار 
الحقيقة يدعى «برهان القوة». «إن الإبمان ينقذ ويخلصء إذن فهو حقيقي». 
ويمكننا أن نرد على ذلك بأن الخلاص المنتظر ليس مِبَرْهنا عليه بل هو فقط شيء 
موعود به : الخلاص مرتبط بشرط الإمان» يتعين تمتيعنا بالخلاص لأننا مؤامنون 
.(on doit être sauvé - puisque l'on croit)‏ لكن كيف يتم إبراز ما يعد به القس 
المؤمن» أي هذا «الماوراء» الذي يفلت من كل مراقبة ؟ إن «برهان القوة» المزعوم 
ليس في العمق إلا اعتقادا في تحقق ما يعد به الإيمان. 

فهل سيكون الخلاصٌ برهاناً على الحقيقة ؟ 

إن الخلاص سيكون إلى حد ما برهانا على الحقيقة» وذلك لأنه عندما تختلط 
أحاسيس اللذة فى الإجابة على السؤال : ما هو الحقيقى ؟» فإن لدينا تقريبا الدليل على 


6 الحقيقة 


العكسء» وعلى كل حال ما يجعلنا نحذر كل الحذر من «الحقيقة». إن الدليل القائم 
على «اللذة» هو دليل لذي (la preuve du plaisir est une preuve de plaisir)‏ 
لاأقل ولا أكثر. كيف يمكن أن نعرف أن الأحكام الحقيقية تسبب قدراً من اللذة أكبر 
من تلك التي تسببها الأحكام الخاطئة؛ وأنها ‏ طبقا لنوع من التناسق الأزلي ‏ تولد 
بالضرورة وراءها أحاسيس من اللذة ؟ إن التجربة التي عاشتها النفوس الحدية 
والعميقة تعلمنا العكس. لقد كان علينا الاستيلاء على كل حبّة خَردّل من الحقيقة 
بواسطة الصراع والكفاح > وقد كان علينا أن نضحى بكل ما هو عزيز على قلوبناء 
AN kG,‏ إذ أن على المرء أن يحوزء من أجل ذلك» 
على عظمة النفس : فالعمل من أجل الحقيقة هو أشق الأعمال وأضناها. 


Nietzche : Textes. PUF (177 - 188) 


4 الحققيقّة والقوة 





معيار الحقيقة يقوم في تقوية الشعور بالقوة. 

من أين يأتينا مذاق الحقيقة ؟ ‏ أولا إننا لن نخشى من أن نضل ؛ ثم إن هذا المذاق 
يقوي من إحساسنا بالقدرة والقوة» حتى تحاه أنفسنا ذاتها. 

إن ما هو حقيقي بالنسبة للاحساس هو ما يثيره بقوة (الأنا). 

وماهو حقيقي بالنسبة للفكر هو ما يعطي للفكر أكبر قدر من الإحساس بالقوة. 

وما هو حقيقي بالنسبة للمس» والرؤية والسمع هو ما يتطلب منها أكبر قدر من 
المقاومة. وهكذا فإن الموضوع الذي يولد من طرفنا أكثر الأنشطة حيوية هو ذاك 
الذي نعتقد أنه «حقيقي»» أي واقعي. إن الاحساس بالقوة والصراع وبالمقاومة 
يقنعنا بأن هناك شيئا ما نقاومه. 


Nietzche : Vie et verité. Textes (J. Granier) PUF 1977, p. 170 - 171 


تحولات مفهوم الحقيقة 77 





إن قيمنا هي عبارة عن تأويلات أدخلت من طرفنا على الأشياء. 
هل هناك دلالة في ذاتها ؟ 
أليست كل دلالة هي بالضبط دلالة نسبية» أي منظوراً ؟ 
إن كل دلالة هي إرادة قوة (كل الدلالات النسبية يمكن أن تُرجع إليها). 
(إرادة القوة الجزء الجزء الأول؛ الكتاب الثاني) 


«هناك من الأوثان في العالم أكثر ما هناك من وقائع (جمع واقع)». 


نيتشه مقدمة أفول الأوثان 





تتحدد الحقيقة» هذه التي سادت ونفذت لا فقط في الفكر الغربي؛ بل سادت 
بصورة عامة تاريخ الانسان الغربي» حتى في أفعاله اليومية نفسهاء وفي أحكامه وفي 
تمئلاته المعتادة» تتحدد هذه الحقيقة ويعبر عنها بالصيغة الموجزة التالية : إن الحقيقة 
هي صواب التمثل» وفعل تمثل هنا يعني : أن يكون أمامنا شيء ماء وأن ننقل الكائن 
أمام الذات» بواسطة الادراك وفي القصد الدالء وبواسطة الذكرى» والمشروع» 
والأمل والرفض. فالتمثل يتوجه وفق الكائن» ويجعل نفسه مساويا له» ويعيد 
إنتاجه. الحقيقة تعني تطابق التمثل مع ما هو عليه الكائن» ومع الكيفية التي هو 
موجحود عليهاء أي مع كيفيته ونمطيته. 


8 الحقيقة 


0 ريم‎ ET 
(la rectitude) ا ا الوحيد والمشترك : ال صدق‎ 
التمة . ومع ذلك فقد تم التمييز غالباء من فترة قريبة» بين الصدق والحقيقة. ونحن‎ 

نعني بالصدق هنا : موجه» ومنظم وفق» وموافق لما هو موجود [...]. 

وبالمقابل فنحن عندما نقول بأن ماهية الحقيقة هي الصدق فإننا نعني بهذه 
الكلمة المعنى الأكار غنى والمتعلق بتوافق مضمون التمثلاات مع الحالة الظرفية 
للكائن.فالصدق ر يفهم هنا إذن كترجمة لكلية 0 .. ونئيتشه نفسه 
يتمسك بهذا المدلول ونم يفكر في مناقشة معناه التقليدي : الحقيقة هي الصدق. 

لكن إذا كان الأمر كذلك فإن التحديد النيتشوي لماهية الحقيقة» الذي هو تحديد 
مربك» يظهر في صورة حديدة متفردة. إن حكم نيتشه القائل بأن الحقيقة 
وهمءوأن«الحقيقة نوع من الخطأ بدونه لا يمكن لنوع معين من الكائنات الحية أن 
تحيا» (إرادة القوة الشذرة رقم 493 سنة 1885) حكم يفترض قبليا تعريفا تقليديا 
للحقيقة من حيث هي صدق التمثل. وهذا باستثناء أن هذا المفهوم للحقيقة بالنسبة 
لنيتشه يتعرض لتعديل خاص ولا حيد عنه وبالتالي لتعديل غير جزافي [...]. 

مكدى هذا التعديل هو أن الحقيقة في ماهيتها عبارة عن «تقييم». وقيم تعني 
تقدير شىء ما من حيث إنه قيمة ووضعه من حيث هو كذلك. فالقيمة هنا تعنى : 
الشرط المنظوري لتكثيف الحياة. فالحياة ذاتها والانسان على وجه الخصوص هما 
اللذان يقيمان الأشياء من حيث إنها قيمة. فالحقيقة» من حيث هي تقييم؛ هي شيء 
مثل «الحياة») ينجزه الانسان ومن ثمة ينتمي إلى الكائن الإنسان [...]. 

إن الحقيقة من حيث هي حكم قيمة» أي من حيث هي اعتبارٌ للكائن بهذا 
الشكل أو ذاك» توجد في ارتباط من حيث الماهية مع الكائن من حيث هو كذلك. 
إن الحقيقة هو ما اعتبر كائناء أي كائناً بهذا الشكل أوذاك »أي ما أخذ على أنه كائن. 


إن الحقيقي هو الكائن اء 


عندما يعتبر نيتشه الحقيقة كتقييم» فهو لا يفكر في العمق في شيء آاخر غير هذا: 
الحقيقة صدق. ويبدو أنه قد نسي ماما الحكم الذي يممقتضاه لا تكون الحقيقة سوى 
وهم. بل أكثر من ذلك فإنه يبدو أن نيتشه يتفق ماما مع كنط [...] الذي يلاحظ 
صراحة بأن تفسير الحقيقة من حيث هي «تلاقي المعرفة.موضوعها»؛ معطاة 
ومفترضة قبليا هنا. 

وبكلمة واحدة فإن تحديد الحقيقة بأنها ‏ بالنسبة لكنط ‏ صدق يظل تحديدا 
قائما بدون أدنى شك» وذلك بالنسبة لكنط الذي قام ‏ في نظريته عن ماهية 
المعرفة ‏ بثورة كوبرنيكية مؤداها أن ليست المعرفة هي التي يتعين عليها أن تتوجه 
تبعا للموضوعاتء بل بالعكس أن الموضوعات هي التي تتبع المعرفة. والمعنى 
الذي يفسر به كنط الماهية الشمولية للحقيقة» هو نفس المعنى الذي فكر فيه أيضا 
اللاهوتيون الوسطويون؛» كما فكر فيه أرسطو وأفلاطون. ونيتشه لايبدو فقط 
متفقا مع هذا التقليد الغربي بل هو متفق معه فعليا ؛ وذاك هو السبب الذي يجعله 
قادرا وملزما بالتميز عن هذا التقليد | ... ]. 

إن «التقيبم» الذي .مقتضاه تتحدد ماهية الحقيقة .معنى أخذ الشيء على أنه 
حقيقي» هو «تعبير» عن شروط المحافظة على الحياة ونموها. إن ما هو «مقيم» 
و«مقدر» هكذا من حيث هو «قيمة» يشكل مثل هذا الشرط. ونيتشه يذهب أبعد 
من ذلك. ليس فقط أن«الحقيقة»» من حيث ماهيتهاء تبدو هنا منسوبة إلى دائرة 
«شروط الحياة»» بل إن الملكات الخاصة لإدراك الحقيقة هي كذلكء تتلقى» انطلاقا 
من هذه الدائر ة)التحديد الو حيد لمعناها : «کل الاعضاء الخاصة بالمعرفة لديناء وكل 
حواسنا ل تتطور إلا بهدف تحقيق امحافظة على الكائن وتحقيق نموه». ويتبع ذلك لا 
فقط أن الحقيقة والملكة الخاصة بإدراكها توجد. من حيث استعمالها وهدفهاء في 
خدمة الحياة ؛ بل أيضا أن ماهيتها ونمط تطورهاء وبالتالي مارستهاء مستغلة 
ومستثمرة انطلاقا من «الحياة» التي تقودها وتوجهها. 


Heidegger, Nietzche I, Gallimard, 1971.p. 398 - 402 


80 الحقيقة 


ب الحقيقة كانكشاف 


4 - فسْحة ب4 جنان الحقيقَة 





في العصور الوسطى عبرالقديس توماس الأكويني عن تعقد هذه العلاقات في 

صيغته الشهيرة : (التطابق بين الشيء والعقل). وهذه الصيغة لا تتلافى الدائرة 
المغلقة إلا باعطاء دلالتين مختلفتين لكلمة eاnte1.‏ فيما يتعلق بحقيقة الواقع 
)Adaequatiorei ad intellectum)‏ فإن الفكر الذي يقيس الأشياء هو 
اا د اا ی یو 
وهكذا فإنه بتدخل اللاهوت في الفلسفة تم تلافي انغلاق الدائرة. وفعلا فالاإعان 
المسبيحي يرى أن كل الأشياء مخلوقة من طرف الله في ماهيتها ووجودهاء ومن ثمة 
فهي مطابقة للفكرة التي تصورها الله عنها في البداية. والفكر الإنساني لا يشكل 
استثناء بالنسبة لهذا القانون الشمولي المتعلق بخلق الكائنات» بحيث إن هذا الفكر 
عندما يعرف فهو إنما يتوافق مع الأشياء» ومن خلالها مع الفكرة ة الإلهية كنموذج 
أشنم إن الحقيقة من حيث هي تطابق بين الشيء (الخلوق) والفكر (الإلهي) تضمن . الحقيقة 
كتطابق بين الفكر (الإنساني) والشيء (اخلوق) إن مشكل حقيقة الواقع هو ا 
ثيولوجي» متمركز حول عملية الخلق» بالنسبة للعصور الوسطى (...). 

وفكرة الحقيقة كتطابق هي الفكرة التي تظل سائدة في الفلسفة الحديثة. فديكارت» 
الذي فتح الطريق أمام سبينوزا عندما وضع معيار الحقيقة في وضوح وتميز الأفكار» 
يظل مع ذلك كلاسيكيا عندما يجعل الحقيقة قائمة في توافق أفكارنا مع الواقع من 
حيث إن لها قيمة تمثيلية» ومن حيث إنها تقوم في أساسها على الحقيقة الإلهية. 

وكنط نفسه عندما يجعل الحقيقة تقوم في تطابق المعرفة مع موضوعهاء يفترض 
الخنطاطة العامة للتطابق. «التعريف الأسمى للحقيقة» الذي يجعل منها تطابق المعرفة 


تحولات مفهوم | لحقيقة 81 


مع موضوعهاء مقبولة هنا ومفترضة من قبل» (كنط). معيار الحقيقة إذن لم يعد 
لاالواقع» ولاالله» بل الذات الشارطة (sujet transcendental)‏ في وظيفتها 
التشكيلية للمعرفة. أما لدى هيجل فعندما «يعطى الفكر لنفسه» من حيث هو «لغة 
رياضية شمولية»» قانونه لذاته ويصادرعلى المعقولية المباشرة للخطوات التى تشكل 
سيرورته العامة (تلك التي نحتبرها «منطقية») (هيجل)» فمعنى ذلك مواصلة 
الاعتماد على نموذج يودي وظيفة مثال لما هو حقيقي. وبالفعل فإن الفكر يستخدم 
كمقياس مطلق لكل تحديد للكائن (أو الكينونة) يؤول في النهاية إلى الحظة من 
لحظات الفكر. إذا كان «الحقيقي هو الكل».بالنسبة لهيجلء فإن «الكل هو فقط 
الماهية التي هي في طور الاكتمال والانتهاء بواسطة وعبر تطورها ذاته». إن الحقيقة 
«تطابق» في إطار الهوية المتحركة والجدلية للفكر الذي يفكر في ذاته بتفكيره في 
الفكرة المطلقة. وهكذا هو الأمربالنسبة لنيتشه. عندما يدين هذا الأخير حقيقة 
الكلاسيكيين باعتبارها الخنطأ الذي لا يمكننا بدونه أن نعيش والذي يقودنا إلى 
إسقاط عالم من الكيانات الفوقزمانية بهدف الإافلات من وهم الصيرورة» فإنه مع 
ذلك واصل التفكير ضمنيا بأن الحقيقة التي يرفضها باسم الحياة تتماهى مع صواب 
واستقامة الحكم. 

أما بالنسبة لهوسرل فإن «تطابق الشيء والعقل»» الذي تفهمه «الواقعية» 
الانطولوجية على أنه اتفاق الدائرة النفسية والدائرة الفيزيائية» يصبح تطابقا بين 
القصد والمعطىءأي بين ما هو مقصود وماهو معيش. وهكذافإن مواسس 
الظاهراتية يحمل جديدا كبيرا إلى مفهوم الحقيقة. فهو بمدد معنى ١‏ لتطابق ليشمل 
كل فعل قاصد سواء أكان تعقلا أو إدراكاء أو تخيلاء وذلك من حيث إنه فعل 
قصدي قابل لأن يملأ من طرف موضوعه. وهكذا توقف الحكم عن أن يكون 
الموطن الوحيد للحقيقة. 

هل كان الأمر كذلك دوما فيما يخص طبيعة الحقيقة ؟ ألا نستطيع أن ندرك في 
تاريخ الفكر الانفتاح المحدد للدازاين والذي فرض سيادة الحقيقة بهذا الشكل 
المحدود والمشتق ؟ يعتقد هيدجر أنه يرى هذا المصدر الحاسم في أفلاطون. فمع هذا 


82 الحقيقة 


الأخير - يرى هيدجر ‏ تبدأ نهاية هذه البداية العظمى التى تمثلها الفلسفة الاغريقية 
قبل سقراط والتي يبدي تحاهها هيدجر حبا ولهانا لأنه يعتقد أنه وجد فيها بصمات 
القضايا الكبرى لفكرته حول الحقيقة كانكشاف. إلا أن انحدار الفلسفة مع 
أفلاطون وأرسطو ظل مع ذلك على ارتفاع لا بأس به. 

فماهي علة ذلك السقوط الذي ف فتح الطريق أمام سيطرة الميتافيزيقا التي 
اک او ا ی ا و ا ا 
ذلك فيما يرى هيدجر - كامن في التصور الجديد للكينونة بإرجاعها إلى اللوغوس 
البشريء أي إلى العقل الذي يخضع الكينونة لقانونه ويهضمها أو يمثلها في ا لخطاب 
الأنطو - لوجي. E e‏ 
بواسطة المعقولية التي يكتسبها في الفكر. إن فلاسفة الذاتية الحديئين الذين يختزلون 
كينونة الكائن إلى عملية تشكيلة كموضوع من طرف الذات» ليسوا إلا النتيجة 
القصوى المتمثلة في أن الماهية ‏ بالنسبة للميتافيزيقا ‏ ينظر إليها في علاقتها مع الفكر 
(#encعiااİnte")‏ أكثر ما ينظر إليها في علاقتها مع الكينونة. إن العقل هو المكان 
الذي تصبح فيه الماهية مرئية» كما أن الماهية تتحدد في ماهويتها من حيث إنها هي 
ما هو مرئي من طرف الفكر (10:م1©5)» باعتباره ما هو عقلاني. وهذا التغير ذو 
النتائج الكبيرة بالنسبة للفكر الغربي كله يعود إلى أفلاطون» ويدخل في الحظة اكتماله 


Rioux : I'être et la vérité chez Heidegger et saint Thomas d'Aquin. PUF 1963, p. 10 - 12 


4- مَاهِيَةٌ الحَقيقَةَ هِيّ الحريّة 





من أين يستمد التلفظ الاستحضاري أمر التوجه نحو الموضوع والتطابق معه 
حسب قانون التوافق ؟ لماذا يكون هذا التطابق محددا مساعدا لماهية الحقيقة ؟ كيف 
يتم مثل هذا الإعطاء القبلي لمقياس ؟ وكيف يتم الايعاز بالتوافق ؟ ذلك هو ما لن 


تحولات مفهوم الحقيقة 83 


يتحقق إلا إذا جَعَلنا فعل الإعطاء الأوليء أحرارا أمام المنفتح من أجل ما يتجلى فيه 
مكنا إلا إذا كنا أحرارا تجاه ما هو متجل ضمن المنفتح» إن طريقة كهذه في أن يكون 
المرء حرا تتخذ لها كمر جع ماهية للحرية ل تفهم حتى الآن.إن انفتاح السلوك» وهو 
ما يجعل التوافق مكنا داخلياء يجد أساسه في الحرية. إن ماهية الحقيقة هي الحرية. 
لكن ألا تحل هذه الأطروحة حول ماهية التوافق «بداهة» بأخرى ؟ ذلك أن عملا 
ما لا يمكن القيام به إلا بافتراض حرية من يقوم به. وكذلك الشأن بالنسبة لفعل 
التلفظ الاستحضاري وبالنسبة للمصادقة على «حقيقة» ما أو رفضها. 

ورغم ذلك فإن هذه الأطروحة لا تعني بأنه لاستعمال ملفوظ منطوق ما أو 
لتوصيله (إلى الغير)» أو لاستيعابه يتعين ألا تخضع لأي إكراه بل هي تقول : إن 
الحرية هي عين ماهية الحقيقة. «الماهية» تعني هنا أساس الإمكانية الضمنية لما هو 
مقبول ومعروف مباشرة وبصورة عامة. ومع ذلك فإن مفهوم الحرية لا يشكل ما به 
نفكر في الحقيقة أو في ماهيتها. لذلك لابد وأن تفاجئنا الأطروحة القائلة بأن ماهية 
الحقيقة (توافق المنطوق) هي الحرية. 

أليس من شأن وضع ماهية الحقيقة في الحرية أن يجعلنا نسند هذه الأخيرة 
لاعتباطية الانسان ؟ وهل هناك ماهو أكثر تدميرا للحرية من تركها تحت رحمة هذا 
الكائن الضعيف ؟ إن ما فرض نفسه دوما على الحس السليم طيلة هذه المناقشة يبرز 
الآن بوضوح أكثر : لقد تم إر جاع الحقيقة إلى ذاتية الفاعل الإنساني. وحتى على 
فرض أن الذات تستطيع التوصل إلى قدر من الموضوعية؛ فإن هذه الموضوعية مع 
ذلك ليست أقل إنسانية من تلك الذاتية كما أنها موضوعة تحت تصرف الإنسان. 

لاشك أننا نعزو للإنسان الخطأ والنفاق» والكذب والخداع» والوهم والمظهرء 
وبعبارة واحدة كل أغاط اللاحقيقة. وعا أن اللاحقيقة في النهاية هي عكس ال حقيقة» 
فإن لنا الحق في إبعادها عن كل بحث عن الماهية الخالصة للحقيقة باعتبارها شيئا غير 
أساسي بالنسبة لها هذا الأصل البشري للاحقيقة إنما يؤكد على وجه التعارض» أن 
ماهية الحقيقة ((في ذاتها» تسود «فوق) الاإنسان. والحقيقة في ذاتها تصدق على 


4 الحقيقة 


المينافيزيقا من حيث هي شيء خالد وغير معرض للفناء» ولذلك فإنها لا يمكن أن 
تنأسس على رخاوة هشاشة الكائن البشري. فكيف تحد ماهية الحقيقة في حرية 
الانسان مرا وأساسا لها ؟ 

إن العداء للأطروحة القائلة بأن الحرية هي ماهية الحقيقة يرتكز على أحكام 
مسبقة أكثرها تَصَلْبا هى : أن الحرية خاصة للإنسان» وأن ماهية الحرية لا تتطلب 
فحصا أكثر تعمقاء بل لا تتقبله, أما ما هو الانسان» فكل إنسان» يعرف ذلك. 

ماهية الحرية 

ومع ذلك فإن الإشارة إلى وجود علاقة جوهرية بين الحقيقة كتوافق وبين الحرية 
يخلخل هذه الأحكام المسبقة» شريطة أن نكون على استعداد لنقبل عملية قلب كلية 
للفكر. إن التفكير في هذه العلاقة الأساسية بين الحقيقة والحرية يقودنا إلى تتبع 
مشكلة ماهية الإنسان» عبر منظور ‏ يضمن لنا تحربة أساس خفي لهذا الأخير (أي 
الدازين)» وذلك بحيث ينقلنا هذا التفكير إلى الميدان الذي تنكشف فيه ماهية 
الحقيقة انكشافا أصليا. عندئذ يتضح لنا بالطريقة نفسها أن الحرية ليست أساس 
الإمكانية الداخلية الضمنية للتوافق إلا لكونها تستمد ماهيتها الخاصة من الماهية 
الأصلية للحقيقة التي هي وحدها ضرورية وأساسية حقا. 

إن الحرية قد حددت أولا كحرية تجاه ما هو متجل في أحضان المنفتح. فكيف 
يتعين التفكير في ماهية الحرية هذه ؟ إن المنكشف (ما هو متحل)»ذلك الذي يتطابق 
معه الحكم الاستحضاري من حيث إنه متوافق هو الموجود كما يتجلى ل/ ومن 
خلال سلوك منفتح.إن الحرية تجاه ما ينكشف في حضن المنفتح ترك الموجود يكون 
الموحود الذي هو. وعندئذ يظهر أن الحرية هي ما يترك الموجود يوجد. 

نحن نتحدث عادة عن «عملية ترك ) عندما نتخلى مثلا عن عمل كنا نود القيام 
به أن «نترك هذا» يعني أن لا نمسه ونتوقف عن الاهتمام به. «فعل الترك» له هنا دلالة 


سلبية وهي «التخلي عن. .. العدول عن...)» إنه يعبر عن عدم الاكتراث أو حتى عن 
الالغاء. 


تحولات مفهوم الحقيقة 85 


إن الكلمة الضرورية هنا للتعبير عن ترك الموجحود يوجد لا تقصد مع ذلك 
لاالالغاء ولا عدم الاكتراث» بل عكسهماء فترك الوجود يو جد يعنى أن«نتعاطى 
للموجود»؛ ويجب أن لا نفهم ذلك طريقة بسيطة في استعمال الموجود الذي 
نصادفه أو نبحث عنه. أو في الاحتفاظ به أو الاعتناء به أو تنظيمه. فترك الموجود 
يوحد ‏ أي باعتباره الموحود الذي هو معناه أن نتعاطى مع المنفتح مع انفتاحه. 
الذي يدخل فيه كل موجود» ويستقر - والذي يحمله معه ‏ إلى حد ما كل 
موجود. وقد تصور الفكر الغربي هذا المنفتح منذ البداية كلا محجبة (تا اليتيا). 
وعندما نترجم الآليتييا ب «اللا تحجب» بدل أن نترحمها ب «الحقيقة»» فليس 
ذلك لأن هذه الترحمة أكثر «حرفية» فقطء بل لأنها تتضمن مؤشرا يدفعنا إلى إعادة 
التفكير بشكل أكثر أصالة في المدلول المتداول عن الحقيقة كتطابق لمنطوق مع معنى 
لايزال غامضا عن صفة انكشاف ال مو جود وعن تكشفه. إن التعامل مع المعنى الأول 
(أي عن سمة الانكشاف) لا يعني الضياع فيه؛ بل يعني القيام بتراجع أمام الموجود 
حتى يتجلى فيما هو عليه و كما هو» بحيث يتمكن التطابق الاستحضاري من أن 


إن ترك الموجود يوجد يعنى أن نعرف أنفسنا أمامه» أن نكون عرضة للموحود 
كما هوء وأن ننقل سلوكنا كله إلى مجال المنفتح. أن نترك ‏ الموجود يوجدء أي الحرية؛ 
هو في ذاته استعراض خارجي أمام المو جود وهو بذلك وجود منفتح ومتخارج 
)Ek - sitan‏ إن ماهية الحرية» منظو را إليها على ضوء ماهية الحقيقة» تظهر 
كاستعراض خارجي أمام الموجود من حيث إن له سمة كونه قابلا للانكشاف. 

فالحرية ليست فقط ما يريد الحس المشترك أن يمرره تحت هذا الاسم : تلك النزوة 
التي تنبئق فينا أحيانا وتدفع باختيارنا إلى هذا الطرف أو ذاك. إن الحرية ليست مجرد 
غنات الإكراه المتعلق بإمكانياتنا في الفعل أو عدم الفعل. لكنها أيضا لا تكمن في 
طواعيته تحاه مطلب أو ضرورة (وبالتالي تحاه موجود ما). قبل هذا كله (قبل الحرية 
«السلبية» أو «الايجابية») تكون الحرية هي إفساح الخال أمام انكشاف الموجود من 
حيث هو كذلك. من هنا تكون قابلية الموجود للانكشاف مصونة عن طريق هذا 


6 الحقيقة 


الافساح المتخار ج» وبفضل هذا الافساح يكون انفتاح المنفتح» أي «الحضور» (22) 
هوماهو. 


(D) Heidegger De ['essence de la verité 





لقد انكشفت ماهية الحقيقة كحرية. هذه الأخيرة هى عملية ترك الموجود 
المنفتح يوجدءالتي تكشف الموجود. كل سلوك منفتح يحدث تاركا الموجود يوجد 
ومتخذا موقفا من هذا الموجود الخاص أو ذاك. إن الحرية قد أسندت» مسبقاء كل 
سلوك إلى الكائن في كليته وذلك من حيث إنها استسلام لانكشاف هذا الموحود في 
كليته وكما هو. وهذا التوافق الوجداني (التهيؤْ) لا يترك نفسه أبدا يدرك «كحالة 
من حالات النفس) إذ أننا نحرفه عن ماهيته ونفهمه انطلاقا من مدلولات 
(«كالحياة» و«النفس») لا يمكنها هي ذاتها أن تطمح إلى شرف الماهية إلا ظاهريا 
وطالما أخطأنا في فهم هذا التوافق الوجداني وطللما حرفنا دلالته. إن توافقا وجدانيا 
أي تعرضا متخارجا أمام الموجود في كليته لا يمكن أن يكون «معاشا» أو «محسوسا» 
إلا لأن «الانسان» وهوالكائن المزود بإحساس وشعور «قد ارتمى في أحضان توافق 
كاشف للموجود في كليته» دون أن يستشعر ماهية هذا التهيو الوجداني. إن كل 
سلوك للإنسان التاريخي ‏ سواء أحس بذلك بوضوح أم لا» وسواء فهمه أم لا- 
هوسلوك متوافق» وبهذا التوافق فهو محمول إلى الموحود في كليته. إن درجة تجحلي 
الموجود في كليته تختلف عن مجموع الموجودات المعروفة فعلا.وعلى العكس من 
ذلك فإنه عندما يكون الموجود معروفا أقل من طرف الإانسان وليس مدركا إلا 
بشكل أولي من طرف العلمء فإن تحلى الموجود في كليته يمكن أن يتأكد بصورة أكثر 
أساسية أكثر مما هو الأمر عندما يصبح ما هو معروف ومعطى باستمرار للمعرفة 
غيرقابل للاستنفاذ بالنسبة للنظرءوعندما لا يكون هناك شيء يقاوم حماس المعرفة» 
وذلك عندما تنطلق قدرة التقنية للسيطرة على الأشياء فى هيجان لا نهاية له. 


وبالضبط في هذه التسوية العارفة بكل شيء من طرف معرفة لم تعد سوى مجرد 
معرفة» يخفت تحلى الموجود» ويغرق في الخواء الظاهر لما لم يعد غيرمبال, لما لم يعد 


إن ترك المو جود يوجدء الذي هو مولد توافق (الدازين مع الموجود في كليته)» 
يَخْتَرِق ويُسْبقَ كل سلوك منفتح يحدث داخله. فسلوك الانسان مخترق من قبل تحلى 
الموجود في كليته. وهذه «إلا» في كليته» تظهر مع ذلك بالنسبة لأفق الانشغال 
والحساب اليوميين» كشيء لا يمكن إدراكه ولا التنبو به. إنه لا عكن أحدا من 
التواصل إليه انطلاقا من المو جود الذي تحلى منذ حين سواء كان هذا الأخير منتميا 
إلى الطبيعة أو إلى التاريخ. ورغم أنه يخترق باستمرار كل شيء يجعله متوافقا معهى 
فإنه يبقى. مع ذلك هو ذاته اللا ممدد والممتنع عن التحديد» ولذلك فنحن غالبا ما 
نخلط بينه وبين ما هو أكثرتداولا وأقل بروزا. وما يخترقنا بهذا الشكل (من حيث 
إنه يجعلنا نتوافق) ليس لا شيء؛ بل هوء ورغم أن الانسان يرجع باستمرار إلى 
الموجودء فإنه يقتصرعادة على هذا لمو جود أو ذاك من حيث كونه 
منكشفا. فالانسان يرتبط بالواقع الجاري والقابل للسيطرة» حتى عندما يتعلق الأمر 
ما هوأساسي. وعندما يأخذ على عاتقه مهمة توسيع؛ وتحويل» وإعادة تملك وتأكيد 
السمة الانكشافية للموجود في الميادين امختلفة من نشاطه؛ فإن التوجيهات المعبأة 
لهذه الغاية تظل محصورة في امال الضيق لمشاريعه وحاجياته اليومية الجارية. 

إن الانخراط في الحياة اليومية يعادل ف ذاته رفض الاعتراف باختفاء ما هو 
محبب. ولاشك أنه توجد كذلك في الحياة اليومية ألغاز» وأشياء غير واضحة» وما 
هو غير أكيد» وما يحتمل الشك» لكن كل هذه المسائل» التي لا تنبئق عن أي قلق؛ 
ليست سوى معابر ووسائط ضمن حركة الحياة اليومية الجارية» وبالتالي فهي غير 
أساسية. هناك حيث يكون احتجاب الموجود في كليته مسموحا به على هيأة حد 
يعلن عن نفسه بشكل عرضي أمامناء فإن الاختفاء كحدث أساسي لم يفلت بدوره 
من السقوط في غياهب النسيان. 


Heidegger : De I'essece de la vérité. op. cité 


88 الحقيقة 


ج- النقد الابيستمولوجي للحقيقة 


4- نهايّة الحقيقّة المطلّقّة 4 العلم 





تعرض تصور الحقيقة لتحول جذري خلال القرون الثلاثة الأخيرة ؛ فقد كان 
القرن التاسع عشر ما يزال خاضعا لفكرة الحقيقة المطلقة» التي يتوصل إليها الفكر 
عندما يلتحق بالو اقع : تطابق الأشياء والعقل 5وداءء1[عاصذ )ء 65 10غدننوء0 خم . وهذا 
الخضوع ببرزه حملة الرياضي الكيير 5 وهو يتأمل حول إمكانية هندسة 
الأوقليدية : «أنا منجر بالأحرى نحو الشك فى حقيقة الهندسة». فقد قاده التأمل 
إلى الطريق الذي سيقود إلى تحرير الحقيقة من طابعها الدغمائي» كعلامة على تلاق 
غريب بين واقع وفكر يبدو كل منهما غريبا عن الآخر. لكنه لم يكن قادرا على 
التخلص من هذه الفكرة المتوارثة والشائعة» وهكذا بدا له أن الحقيقة تتبخر في نفس 
الوقت الذي يتبخر فيه الطابع المطلق الذي كان منسوبا إليها تقليديا. 

هذا الموقف يقابله أطروحتان متناظرتان لكل من الواقعية الفلسفية والمثالية 
الفلسفية» سواء من حيث إن الواقعية تسند الأولوية لواقع خارجي معطى كليا 
من قبل.وقادرعلى التعبيرعن صورته الصائبة والوفية في الفكرء أوسواء من 
حيث إن المثالية تعطي الأولوية لفكر متحدد ومتشكل تشكلا تاما من قبل) 
قادرعلى التفكير في الواقع. وهكذا يظل كل من الواقع والفكر متقابلين 
القابل للتفسير. 

وقد تم تحقيق تقدم من طرف الفلسفة النقدية لكنط الذي كان قد بدأ في إحداث 
تقارب بين الفكر والواقع» وفي إيجاد أسباب إمكانية توافقهماء محلا فكرة الاقتران 
والترابط ه»«عهممء الخصبة محل فكرة التوازي.إذا كان على الواقع أن يخضع 
لشروط الفكر لكي يمكن معرفته (أي الواقع) فإن العائق أمام عدم تحانسهما يختفي» 


تحولات مفهوم الحقيقة 89 


وبذلك يصبح العلم تمكنا. لكن ظل هناك في النقدية الكنطية نوع من الثبات 
المنسوب للفكر» بأشكاله ومقو لاته المعطاة بشكل دائم» والتي تفرض على الطبيعة 
لزوم امتثالها لهذا الإطار الثابت ؛ وهكذا ظلت المعرفة المطلقة رهينة بهذا الإطار 
القبلي» أي بالمكان الأوقليدي أو بالقواعد المنطقية. وهكذا فإن الفلسفة النقدية» مع 
قطعها لخطوة هامة في ابحاه تفسير التطابق (1012]10وع0ه) باعترافها بالاسهام 
الضروري للفكر في الأشياء» لم تتوصل إلى فهم دور كل منهما في إنشاء الآخر 
بشكل تبادلي. فهي س الميزان لصالح الذات العارفة» وذلك باسنادها للعقل 
مضمونا قبليا صادرا عن القدرة الاستنباطية الضرورية المطبوعة بطابع الحقيقة 
المطلقة. وما أن المكان كان بالنسبة لكنط إحدى مكونات هذا المضمون الداخلى 
للفكر» وعا أن الهندسة الأوقليدية كانت بالنسبة له هي الاكتمال التام للقدرة 
الاستنباطية القبلية للفكر» فإن حقيقة الهندسة الكلاسيكية ظلت في مستوى 
دوغمائي» وهذا ما جعل 02055 ينذهل عند اججادلة فيها. 

إن مفهوم الحقيقة المطلقة يتعين بالضرورة أن يرتكز على مطلق سابق على كل 
تحربة بل على كل فكر إنساني. وهذا هو الحال بالنسبة لمثل أفلاطون والحقائق الإلهية 
عند ديكارات.أما المنهج العلمي الذي لا يعرف إلا العلاقة ويود تجاهل المطلق, 
فيتعين عليه أن يتخطى نقطة الارتكاز هاته. 


Ullmo, Jean : la pensée scientifique moderne, flammarion 1969, p. 169 - 199 


4 الصيّاغَة الدَّلألِيّة ‏ الْمنْطِقِيّة لِمَفْهُوم الحقيقّة عند 
تارسكي 


ماليرب 
أدخل تارسكي نءءه1 في المنطق والفلسفة الفكرة الحديثة عن الحقيقة كمفهوم 
دلالي. فقد أعاد تناول الفكرة الكلاسيكية عن الحقيقة» كما سبق أن حددها أرسطو فى 
قوله : «أن نقول عما هو كائن بأنه ليس كائناء أو أن نقول عما ليس كائنا بأنه كائن» فهذا 





90 الحقيقة 


قول خاطئ في حين أننا عندما نقول عما هو كائن بأنه کائن» أو عما لیس کائنا بأنه غير 
كائن فهذا قول حقيقي» (أرسطو : الميتافيزيقا). وبميز تارسكي مستويين في اللغة : «لغة 
امو ضوع» ولغة اللغة (أي اللغة التي تتخذ اللغة موضوعا لها) )metalan gage)‏ التي 
نصف فيها منطوقات اللغة الموضوع. وهكذا أعاد صياغة فكرة الحقيقة بهذا الشكل: 
«المنطوق الثلج الأبيض» منطوق حقيقي إذا وفقط إذا كان الثلج أبيض». 

إن التعبير «الثلج أبيض»» الموضوعة داخل مزدوجتين» تشكل في لغة اللغة اسم 
التعبير عن اللغة الموضوع التي تعبر عن كون الثلج أبيض. وبشكل أكثر صورية» 
يقترح تارسكي أن يقول ضمن لغة - اللغة بأن منطوق لغة الموضو ع «الثلج أبيض» 
صادق إذا وفقط إذا كانت الدالة الفضوية «س أبيض» متحققة (عانھfیزtھs)‏ من 


طرف العنصر أو الدليل «الثلج». 


وهكذا أقام مشروعية مفهوم الحقيقة كتقابل مع الوقائع مع حاولة اجتناب على 
وجه الخصوص لفارقة الكذب الشهيرة التي تقوم على التساؤل الذي لا نهاية له عن 
قيمة الحقيقة بالنسبة للمنطوق : «المنطوق المكتوب على هذه الورقة خاطى» إذا كان 
هذا المنطوق مدونا وحده على ورقة. لقد أقام تارسكي إذن المفهوم الحديث للحقيقة 
الدلالية بالتمييز بين مستويين في اللغة. ومفهوم الحقيقة هذا دلالي (عدوناصقصءة) 
لأنه يعبر عن تقييم للعلاقة التي تربط منطوقا ما مع الموضوعات التي يتحدث عنهاء 
تعريفا وافيا ومقنعا (امهءاه؟ءتاهء) بالنسبة للغات الطبيعية ؛ فهذه الأخيرة هي في 
نفس الوقت غنية جحدا وضثيلة الدقة ثما يجعلها غيرقادرة على صياغة غير ملتبسة 
لهذا المفهوم. وهو يرى؛ على العكس من ذلكء أنه فى حالة اللغات الصورية؛ يمكن 
تحديد وتعريف مفهوم للحقيقة» شريطة أن ييز بعناية مستويين في اللغة «لغة اللغة 
)Metalangage)‏ حیث يكو ن المفهو م محدداو معرفاء «ولغة المو ضوع» (اءزط0- 

86 .)) التي يكون المفهوم بالنسبة لها محددا ومعرفا في لغة اللغة. 
J. F. Malherbe : La philosophie de K. popper et le positivisme logique.‏ 

PUF. 1979, p. 121 - 122 


11.4 رو رة م مَفْهُوم الحقيقة وحدودُه 





إن مفهوم الحقيقة ضروري للنزعة النقدية كما نعرضها. إن ما ننتقده في نظرية 
من النظريات هو ادعاوها الحقيقة. وما نسعى إلى تبيانه عندما ننتقد نظرية ما هو 
بطبيعة الحال» أن هذا الادعاء ليس قائما على أساس : وأن النظرية خاطئة. 

إن الفكرة المنهجية الأساسية التي .مقتضاها نستطيع أن نستخلص درسا من 
أخطائناء لن تفهم دون استحضار الفكرة المنظمة للحقيقة : فحينما نرتكب خطأ ما 
فهذا ر يعني بالضبط أنناء حسب المعيار المنظم للحقيقة» لم نصل إلى هدفنا ولم نرض 
معيارا. إننا نسمي ملفوظا ما ملفوظا «حقيقيا» عندما يتلاءم مع الوقائع أوتكون 
الأشياء مثلما يقدمها هذا الملفوظ .هذا هو مفهوم الحقيقة المطلقة أو الموضوعية الذي 
يستعمله كل واحد منا باستمرار. إن إحدى النتائج الأكثر أهمية للمنطق الحديث هو 
احاح لباهر الذي رد به د 0 الحقيقة المطلقة هذا. 


ير ل e‏ النسبوية E‏ ولهذا 
السبب فأنا ميال إلى القول بأن رد الاعتبار لمفهوم الحقيقة من طرف المنطقي والرياضي 
الفرد تارسكي )A. tars‏ یعتبر .عتثابة أهم نتيجة فلسفية للمنطق الرياضي المعاصر. 
لا أستطيع بالطبع أن أعلق على هذ النتيجة : لا أستطيع إلا أن أقول بطريقة وثوقية 
جدا أن ترسكي قد توصل إلى تفسير ما يرتكز عليه الربط بين القضية والوقائع بطريقة 
في غاية البساطة والاقناع. وتلك بالضبط هي الصعوبة التي لا أمل في التغلب عليها 
لهذه المسألة التي قادت إلى النسبية الشكية مع نتائجها الاجتماعية المعروفة. 
كارل يوير : منطق العلوم الاجتماعية. ترجمة : ذ. أحمد الصقلي.انظر النص في : 


Adorno-popper : la qurelle allmande des sciences sociales. Ed. Complexe 
Bruxelle 1979, p. 85 - 86 


2 الحقيقة 


د الايديولوجيا والحقيقة 


4 الإيدْيُولُوحِيًا وَالحَقَيقّة 





إن الايد يور جا بعك النظرية العلضنة أو الفلبيفية» سه دف اباسا لا فيي 
المعرفة بل الدعوة إلى العمل» وإحداث ممارسات جماعية ودائمة بهدف خدمة 
السلطة. 


ومع ذلك فإن الخطاب الإيديولوجي لا يمكن أن يكون محض خطاب حاث على 
الفعل. بل إن السلطة تحد نفسها مضطرة لتقديم تبريرات» وهذا هو ما يجعل خطابها 
مر جعيا ؛ فهو يلاحظ»ويفسر»ويرفض» ويرتكز على وقائع تاريخية» وعلى معطيات 
إحصائية... إلخ. 

وبدون شك فإن السلطة المتراتبة تراتبا قويا مثل الجيش ليست فى حاجة إلى مثل هذا 
الخطاب ؛ فالنظام والتهديد بالعقاب كافيان بالنسبة له. و مع ذلك فإن الجيش ذاته» عندما 
يكون محط جدلء يلتجئ إلى أقوال ذات صبغة مرجعية ؛ مثلا : «الخدمة العسكرية نوع 
من التكوين؛ ومدرسة للرجولة»»فالجيش هو الصامت الأكبر». هناك إيديولوجيا 
بالضبط لأن السلطة لا يمكن أن تعتمد على القوة وحدها لتجلب لها الاحترام.يقول 
ماو: «السلطة على سن البندقية»» لكنه يقول أيضا «ليس للبنادق روح». ويمكن أن نقوم 
بنفس الملاحظات بصدد التعليم أو الطب أو غيرهما من المؤسسات. 

وهكذا فإن الخنطاب الايديولوجي يعرض نفسه أمام السؤال : حقيقي أم خاطىئ؟ 
والجواب غير معروف مسبقاء لأنه إذا كان دوما حقيقيا فإنه لن يكون خطابا 
ايديولوجيا. وبالفعل فإن على الايديولوجيا الأكثر حمقا أن ترتكز على جملة من 
الحقائق. إذا كانت الوطنية الاشتراكية خاطئة كليا فإنه لم يكن من الممكن تصديقها. 
ومن ناحية أخرى فإنه يمكن للعلم نفسه أن يخطئ. 


تحولات مفهوم الحقيقة 93 


فالايديولوجيا إذن لا تنعارض مع العلم كما يتعارض الخطأ مع الحقيقة. وحتى 
عندما تقول الايديولوجيا الحقيقة» فإن خطابها يكون في خدمة سلطة تتحكم فيه 
وتراقبه [...]. 

إن الخنطاب الايديولوجي ليس بالضرورة خطابا خاطناء لكنه بالضرورة خطاب 
غير حر في أن يتساءل حول حقيقته الخاصة» أي خطاب محام. 


ومع ذلك فإن ا محامي لا يستطيع أن يخفي بأنه يدافع. إن الايديولوجياء 
بالعكس» خطاب يتخفى وراء شيء آخر : العلم» أو الحس السليم أو التاريخ أو 
الطبيعة... إلخ. 

خطاب البورجوازية خطاب شمولي : تساوي الجميع أمام القانون» وحق 
الشعوب في تقرير مصيرها بنفسهاء وحرية التعبير... لكن هذا الخطاب نفسه قد 
استخدم لإخفاء السلطة الفعلية والخاصة للبورجوازية. إن تساوي الجميع أمام 
القانون ليس بالتأكيد أمرا لا فائدة فيه» لكنه يخفي أشكال عدم التساوي الواقعي في 
الثروة والسلطة والثقافة. إن حق الشعوب قد وجد تحققه في عملية التحرر من 
الاستعمار ؛ لكن الاستقلال السياسي امحصل عليه من طرف الشعوب الجديدة إنما 
يخفى فى الغالب تبعيتها الاقتصادية والسياسية. أما فيما يخص حرية التعبير» فهى 
أمرواقع» لكنه أمر يخفي نقيضه ؛ إذ كيف يمكن للمواطن أن يجعل الآخرين 
ينصتون إليه أو يقرأونه إذا كانت وسائل الإعلام تخصصة لمن لديهم المال لشرائها 
أواكترائها ؟ وإحدى «الحقائق» التي روجها الخطاب الهتلري هي أن الديمقراطية 
هي في الكثير من وجوهها حكم الأثرياء .(ploutocratie)‏ 

إن هذه الانتقادات المستوحاة من الماركسية؛ يمكن أن تطبق على الماركسية 
نفسها. فصيغ مثل «الديمقراطية الشعبية» و«التضامن البرولتاري» و«ديكتاتورية 
البرولتاريا» تقابل شيئا في الواقع» لكنه واقع ملتبس. فالديمقراطيات الشعبية» على 
الأقل في الفترة الستالينية» كانت مستعمرات سياسية واقتصادية حقيقية للاتحاد 
السوقييتي. أما التضامن البرولتاري فهو الذي سمح بتبرير غزو تشيكوسلوفاكيا سنة 


94 الحقيقة 


8. أما فيما يخص ديكتاتورية البرولتاريا أفلم يتم اختزالها في كل مكان تقريباء 
إلى ديكتاتورية على البروليتاريا ؟ 


O. Reboul, Langage et idéologie PUE, p. 55 - 57 


4 الايديُولوجيا وَالحَقيقة 





تبقى فقط مشكلة هامة هى مشكلة العلاقة بين الايديولوجيا والحقيقة. فدراسة 
هذا المشكل تتطلب مقالا خاصاءلكن هذا البحث سيبقى ناقصا إن لم يطرح على 
الأقل الخطوط الأولى للمشكل. 

إن التفيين ين الأضل الاجتماعي للمعارف والتحديد الاجتماعي ‏ السياسي 
للوعي بمكننا أيضا من أن نحل صعوبة اصطدم بها باحثون مرموقون من صنف 
رعون أرون (أبحاث فلسفية)» »> في بحث ينتمي إلى فترة شبابه» والذي كان له مع 
ذلك فضل طرح المشكل السوسيولوجي للايديولوجيا في فرنسا لأول مرة. وفعلا 
فإن الاقرار بالأصل الاجتماعي لنظرية ما لا يتضمن أي شك في صلاحيتها الحدودة 
أو «المنظورية». وهكذا مثلا فالموافقة مع دور كهابم على الأصل الديني لمفهوم الطاقة 
لا يسلب مدلول الطاقة الذرية قيمته العلمية. وفى النهاية فإن لسوسيولوجية المعرفة 
تأثيرا ضئيلا نسبيا على الابستمولوجيا أو نظرية المعرفة. وتادلج (أو أدلجة) 
النظريات العلمية» هو وحده المشكل المطروح بصدد معامل مصداقية هذه 
النظريات. وبذلك فإن مشكلنا يجد نفسه مطروحا ببساطة. 

وليس هذا التأدلج ذاته مرادفا للشك في صدق هذه النظريات. وسنتبنى بصدد 
هذه النقطة الخلاصات الواضحة لرودنسون. إذ أنه يمكن أن تندمج بعض النظريات 
العلمية الصحيحة ضمن محوعات إيديولوجية كبرى والاستدلال الذي نسمعه أحيانا 
بأن «هذه النظرية خاطئة لأنها جزء من سياق ايديولوجي معين»» تشكل إقحاما غير 
مبرر للايديولوجيا في ميدان العلم : 


تحولات مفهوم الحقيقة 55 


بمكن لأية محاولة ايديولوجية أن تلعب دورا إيجابيا بتمهيدها الميدان أمام محاولة 
علمية ا ل ل ل ل ل 
ومكن أن ب يفتتح الطريق لدراسات ذات قيمة علمية. 


ومفهوم الخطأ لا يمتلك؛ ذ في العلوم الانسانية» نفس العمق الذي يعتلكه في العلوم 
الطبيعية» وذلك بالضبط بسبب أهمية مدلول المنظور. والحال أن للسياقات السياسية 
: السلطوية ميلا نحو استعمال لفظ «خطأ» في معناه العلمي؛ وهو أمر يحيلنا على 
تصورهم المشيأ للواقع الاجتماعي. (أدورنو).إن التأدلج غالبا ما يعمل لصالح انتقاء 
موجه بين تصورات نظرية ذات قيمة متقاربة : هذا «الاختيار الايديولوجي» لا يمكن 
أن يضمن صلاحية النظريات المنتقاة» لكنه لا يضمن إيضاح طابعها الخاطئ. 

إن أهمية مفهوم «المطابقة» في الابستمولوجيا (لدى مييرسون) وفي اليات 
التأدلج كذلك» يطرح مشاكل خاصة. ماهي الحدود التي تفصل المطابقة 
"dentifica tion)‏ ا ) «الجيدة» عن المطابقة «السيئة» ؟ سنقتصر هنا- مع إحالة القارئ 
إلى دراستنا حول «الوعي الزائف»» على تسجيل أن المطابقة العلمية تهدف إلى 
تبسيط الوقائع المعقدة لجعلها في متناوله» أمّا المطابقة الايديولوجية «فتبالغ في 
تبسيط» الوقائع التي قد تكون بسيطة أحياناء بغية أن تفوز, 
الراحةالفكرية بانضواء الجماعات في إطارها. وبالإضافة إلى ذلك فإن الآلية التي 
وصفها !. مييرسون («وو:تز14) تهدف إلى التعريف بشيء عن طريق تشبيهه بشيء 
معروف من قبل.إن المطابقة الايديولوجية تميل إلى جعل الناس يكرهون شيئا ما عن 
طريق تشبيهه ومائلته بشيءمكر وه من قبل (تيتو فرانكو).لكن الحدود غير واضحة» 
إذيمكن أن تكون هناك أشكال انتقالية وحالات مختلطة. 

إن الضمان الحقيقي لمشروعية مطابقة معينة هو في النهاية القدرة الجيدة على 
الادراك والتمييز» التي هي قدرة يصعب صياقغة قانونها صياغة مجردة بقدر ما هي 
في الغالب قدرة بديهية في الواقع الملموس. 

عن الموسوعة الشاملة في تساؤلات الفكر المعاصر, دار الأمان» الرباط. 


4 الايدْيُولوجِيا وَالحقيقّة : الفغل الانسّاني 


ج باريون 





إن الايديولوجيات» رغم كونها مركبات من التصورات والقناعات الوهمية؛ 
وغير المطابقة للواقع أو المقئعة للوجود الفعلي»يمكنها أن تمارس تأثيرا بالغا في حقيقة 
العالم الواقعي .ويأخذ استعمالها هذا التأثير بعين الاعتبار» حين تُستخدم 
الايدي ولو حيات أداة في الصراع من أجل اللاحتفاظ ركد القوة أو و السلطة 
ضد أعدائها ومناوئيها. فالايديولوجية ترى عدوها دوما وأبدا في أتباع ومعتنقي 
الموقف المضاد. ولقد كشف هانز فراير عن الأسباب النفسية الكامنة وراء هذا 
الموقف الذي يتخذه الايديولوجي. فالطرف الذي لا يجاري الايديولوجي في 
تفكيره هو عدو الحقيقة» والخنصم الذي ينبغي فضحه. لكي يتسنى للنظام الأمثل أن 
يصبح حقيقة واقعة.. ويقول فراير : «إلى هذا ا لحد يؤلف العدو... في الواقع 
المضمون الجوهري لعظم الايديولوجيات». إن معتنقيها والمؤمنين بها يعتبرون من 
واجبهم تحطيم قوّة الخصم وخفض شوكته» لكي يتاح بذلك للتعاليم الحقة وحدها 
أن يسري مفعولها على العالم أجمع. ولا يتهيب هؤلاء تشويه الحقيقة أوتلقيها متى 
كان الأمر متعلقا بوصم نظرة العدو ودمغ تصرفاته العملية. كما أنهم يغدون خيال 
اتباعهم بالتصورات الوهمية؛ عندما يقومون بوصف عالمهم الخاص. لكنهم 
يقدمون التضحيات ويتحملون الالام بغية الوصول إلى الهدف المنشود. 


إن كل ايديولوجية ترى عدوا لها في المعتنق لايديولوجية أخرىءلأنه يخاصم 
التعاليم «(الحقة» والنظام الصحيح»ويقف بوحه كليهما موقف المعارض. أما اسو 
ااا ين الذي ودرا عضا الطاع لبها وارتدوا عنهاء أو أصبحوا من 
المنشقين والهراطقة. ويجري تعقب هؤلاء واضطهادهم في كراهية مميتة. 
فالمؤسسات التي تمتلك ايديولوحية برهنت على ذلك عبر سير التاريخ.ما فيه الكفاية. 
ويظهر رد فعلها ضد العدو الخارج من صفوفها بأنها تعتبره الخطر الرئيسي على 


تحولات مفهوم الحقيقة 97 


حياة مؤسسها. فهو يتهدّد تماسكها الداخلي ووحدتهاء ويمثل بنظرها خميرة 
الافساد والتفكك. إنه الخائن للقضية الكبرى والكفاح العظيم» وهاهو الآن 
يحارب هذه القضية بأسلحة أشد مضاء وخطرا من أسلحة الخصم الايديولوجي» 
لأنه يعرف مواطن الضعف والعيوب والنواقصء لدى الايديولوجية التي تركها 
وتخلى عنها. ومن السهل جدا علينا إيراد المزيد من الأسباب الكامنة وراء 
الاضطهاد المرير للهراطقة والمرتدين. فهي ترجع كلهافي النهاية إلى اقتناع 
الايديولوجيين بأنهم وحدهم يستأثرون بامتلاك الحقيقة. ومن كان ينتمي إلى التعليم 
الحقيقي الأوحد ثم شق عصا الطاعة عليه؛ يستحق اللعنة والإدانة. 

أما التصرف الايديولوجي على صعيد الفعل فهو أيضا ظاهرة إعانية إلى حد 
بعيد. هنا نحد أنفسنا أمام خاصية مميزة لكل إيمان» تنيرلنا الطريق وتوضح الأمور : 
ألا وهي الوحدة بين مضمون الإمان» من حهة» وبين الايمان الذي أنا على اقتناع 
به» من جهة ثانية. إن الناحية الذاتية للثيمان, أي الايمان باعتباره تصديقاء تدل على 
والترقبات التي تنبع من حنين الإنسان وتوقه إلى حياة «أفضل»» مليئة بالسعادة. 

بذلك نكون قد أمحنا إلى أن المسألة تتعلق بالآمال والترقبات ذات الطابع 
الوهمي. فالموضوعات التي تتناولها هي خداعات وأضاليل من نسج الخيال» لكنها 
تقدمها وتصورها على درجة عالية من التحديد المضموني نحتواهاء وجعل تحقيقها 
يبدو على يقين مقنع وكأنه قريب المنال وشيك البلوغ. وبهذا تختلف مثل تلك 
الترقبات والتوقعات الوهمية عن الترقب البسيط في ال حياة اليومية. فالترقب اليومي 
لا تخفى عليه شبهة اليقين الممتنع عنه. وإمكانية الخداع» بل يهيئ نفسه لتقبل 
الأمرين والتعايش معهما في الحياة. إنه ترقب يبقى على طول الخط في تماس مع 
الواقع واتصال وئيق به. 

إن الترقب (التوقع) هو عنصر أساسي لكل أمل. لكن الإنسان يحيا في الأمل 
الوهمي» على اطمئنان ويقين بأن الحدث الذي يصبو إليه أصبح وشيك الوقوع 
بالفعل. فهو لا يحسب في ترقبه أي حساب للعوامل الواقعية التي يتطلبها تحقيق 


8 الحقيقة 


الترقب» بل يحيا على الإيمان بهذا التحقق. وعنصر الإيمان هو العامل الحاسم في 
تقرير موقفه وتعيين ما يترتّب عليه من تضحيات وخوض صراعات؛ لكي يبلغ مرامه 
ويصل إلى أهداف حنينه المنشودة. إن هذا الإيمان وما يرافقه من استعداد للتضحية 
والبذل» هو بالتالي عامل واقعي بارز في تكوين كل العلاقات الإنسانية. وهو يبقى 
هكذاء رغم أن قناعاته وأهدافه لا تنفق والإمكانيات الواقعية لتحقيقه.أما الناس 
الذين سقطوا في شباك ايديولوجية معينة» فإنهم يعيشون في عالم آخر. وحتى عندما 
تصاب الآمال والترقبات بخيبة على يد التطور التاريخي» فلا حاجة بذلك إلى 
زعزعة القناعة الإيمانية وخلخلتها. إن الايديولوجيات يمكن إجراء تعديلات عليهاء 
بحيث تظهرالايديولوجات المعدلة والمتبدّلة إمكانيات جديدة للحياة» فيتسنى لها 
العثور على أناس جدد لكي تحاول استيعابهم وجذبهم نحوها. 

من الأمور الشائعة كثيرا في الكتابات عن الماركسية والمناوئة لها في ان 
واحد»النظر إلى هذه الحياة من خلال إيمان معين» باعتبارها صيغة «معلمنّة» للحياة 
الدينية» وإرجاعها إلى «حاجة الخلاص» لدى الإنسان» أما السبب الأعمق لمثل هذه 
النظرة اللاهوتية التي يجري تطبيقها هنا على ماركس والماركسية فإن ت. رام 
)NRamm(‏ یر اه فيما يلي 

«بأن الانسان لا يستطيع التصور كيف أن قضية غير دينية» يمكن أن تتوفر لها 
أيضا أمور مثل القناعة العلمية والاستعداد للتضحية والحماس». 

ويعتبر «رام» هذه النظرة المقررة لاهوتيا.عثابة تفسير جديد» يتم من خلاله تزوير 
الوقائع الراهنة وتزييفها ومحو المشكلة الحقيقية. فالبحث في هذه المشكلة لا يخوله 
إلا التحليل العلمي. ثم يختم رام شروحاته عن هذا التفسير الخاطئ للاشتراكية 
الماركسية ممالاحظة صائبة» فيقول : 

«عندما يتم دمغ كل الصراعات السياسية والاجتماعية بطابع الصراع الديني» 
ويجري النظر إلى كل علم باعتباره لاهوتا مقتعاء فالمرجو أن ينفتح الطريق من جديد 
أمام تحليل موضوعي للمشكلات». 


تحولات مفهوم الحقيقة 599 


بيد أنه ثما لا يجوز تماهله كون مفهوم العلمانية (الذي يعتبره دلكات Delekat‏ 
قد استخدم أولا في اللاهوت البروتستانتي) يرجع إلى جذرلاهوتي. وهذا بالضبط 
ما يحمل التشكيك في صوابية تطبيقه على تفسير الماركسية» بحيث ينظر إلى 
الماركسية من زاوية لا تنطبق عليها و تتفق وإياها. 

ويظهر ذلكء مثلاء في الشرو حات التي متها :فين ذلكات ekاDe‏ کتیبه («(في 
مفهوم العلمانية». فهويتحدث هناك عن إعان ماركس بالتطور التاريخي نحو 
امجختمع اللاطبقي» ثم عمضي إلى القول : «إن هذا الإعان هو من الزاوية اللاهونية 
صبغة معلمنة للفكرة المسيحية عن «مشرو ع خلاص العالم». مما لاريب فيه» كما 
يبين دلكات ذلكء أن هذه الفكرة تختلف عما نفهمه نحن اليوم ب«التخطيط». 
لكن دلكات نظر إلى إعان مار كس من زاوية لاهوتية» وقام بتفسيرخطة الخلاص 
اللاهوتية مستقرئا إياها في ماركس.إنه يعثر على فارق بينهما لا ينطبق على أفكار 
ماركس ومن ثم يتحدث عن المسيرة العلمية للعلمانية في تاريخ الماركسية. 

لقد قمنا في شروحاتنا عن مفعول الايديولوجية وتأثيرها الفاعل في الأعمال 
والتصرفات الانسانية» بإبراز عنصر الايمان والاشارة إلى المؤمنين» إلى المرء الذي 
يعتنق الايديولوجية باعتباره تمثلها المقاتل» والمدافع عن حقيقتها المطلقة. كما تحدثنا 
من جهة أخرى عن تلك النزعة التي تتبع لدى الايدلوجية من مصدر آخر وجذر 
ثان» نزعة إخفاء الحقائق و حجبها وتقنيعهاء وهي ما يدعوه فراير ب«وظيفة التنكر »» 
أوالتخفي بزي أخر» لكن هذا لا يستثني كون الايديولوجيات تحتوي على 
حقائق. ولكي تبرهن الايديولو جيات على صحة ذلك فإنها تلجأ دونما تردد إلى 
الاستشهاد بنتائج العلوم والاستناد إليها. 

إن مسألة الحقيقة تتممّع بدلالة حاسمة وأهمية بالغة بالتسبة لمشكلة! 
لإيديولوجية. وذلك على نحو مزدوج : فمن الناحية الأولى» تقود مشكلة 
الايديولوجية فى نهاية المطاف دوما وأبداءإلى السؤال عن شروط إمكان المعرفة 
الموضوعية» وبالتاللي عن الحقيقة. ومن الناحية الثانية» عندما يتم فهم الايديولوجية 
ععنى أضيق وعثابة تقنيع واع» لا بل تزييف للحقيقة وتزوير لهاء فإن الايديولوجي 


0 الحقيقة 


تقع عليه شبهة النقص فلي الصدق. فالبحوث النقدية للايديولوجية تأخذ بعين 
الاعتبار هاتين الناحيتين لمسألة الحقيقة. 

بعثل إدوارد شبرانغر #ععصدءم5 النظرة القائلة بأن الايديولوجيات السياسية لا 
ينطوي معناها على أقوال عن الواقع الحقيقي بل هي لا تعدو كونها «مشاريع فكرية 
للمستقبل»» وصياغات لما يريده الانسان, ولما ينبغي له أن يصبح واقعا فعليا. لذا 
لايجوز إخضاها لنقد الحقيقة ونما لا ريب في صحته أن السياسة تتحرك في نطاق 
الإرادة والعمل والفعل. لكن العمل يفترض التروي وعقد العزم أو التصميم. 
والعمل السياسي هو تحقيق لفكرة معينة» وغالبا ما يكون عملا صادرا عن تفكير 
ايديولوجي, أي أنه محاولة لتحقيق فكرة غير وثيقة الصلة بالواقع. غير أن هدف 
النشاط السياسي يقوم أيضا على اعتبار تلك الفكرة حقيقية .معنى من المعاني) 
وبالتالي قابلة للتحقيق. 

وليست «مشاريع المستقبل» المنشودة جرد صور من نسخ الخيال» بل هي أيضا 
نتيحة التأملات الأفكارية» وتتطلع إلى أن تصبح معرفة على نصيب وافر من 
الصحة والحقيقة. فهي وإن كانت شديدة التحيز إلى جانب واحدء وغير مطابقة 
للشروط الواقعية لتحقيقهاء فلا تنقصها رغم ذلك بعض عناصر الحقيقة» إذ بدون 
هذه العناصر لن يتسنى للطاقات الإعانية والإرادية لدى ايديولوحية سياسية» أن 
تفجر قواها الدافعة وبواعثها امحركة, التي تتحول بواسطتها إلى ذلك «الواقع 
الروحي» الصارخ؛ ‏ هذا الواقع الذي يتحدث عنه شبرانغر بالذات. 
والايديولوجيون» في سعيهم الدائب كي «يبرهنوا» على صحة أقوالهم 
ومزاعمهم» يخضعون أنفسهم تلقائيا لمعيار الحقيقة. لذا سوف أعتبرالاطروحة 
القائلة بأن كل الايديولوجيات تحمل في ثناياها معرفة بالواقع الفعلي أطروحة قابلة 
للتسليم بهذا». 

جاكوب باريون : ماهي الايديولوجيا 
ترجمة أسعد زروق. بيروت 


تحولات مفهوم الحقيقة ‏ 101 


4 الايدْيُولُوجِيًا وَالحَقيقّة 





إن الايديولوجيا عامل استلاب لأنها تفرض على الانسان رؤية للواقع تجعل 
الانسان غريبا عن ممارسته الاجتماعية الحقيقية» لنضرب مثالا : ان هدف عقيدة 
الوطن او المصلحة القومية (يقال دوما بهدف ذر الرماد في العيون «المصلحة القومية 
الحقيقية»)» هو أن تنسي الشغيلة العلاقات الاجتماعية الأساسية القائمة على | 
لصراع الطبقي على الصعيد العالمي. 

والايديولوجيا أيضا عامل تضليل» بل يجب أن نقول : عامل مساعد على توطد 
الأساطير. فالايديولوجياء كي تضمن النجاح التام لعملية الاستلاب»تفرز عددا من 
الأساطير الهادفة إلى استقطاب الانفعالية الاجتماعية» وسأضرب مثالا على هذه 
الأساطير بأسطورة الانسان العظيم الذي يفترض فيه أن يجسد قدر ومصير امجتمع 
بأكمله منذ أن وجد. ونحن نعني ههنا بالطبع شخصا كستالين الذي لم يحقق الوطن 
السوفياتي فحسب بل جسد أيضا روسيا بدءا من تكونها الضبابي الأول» ستالين 
الذي أصبح أمينا على - جميع المثل العليا وعلى كل الوجدان لاجتماعي. 

ا ء. انها تميل إلى تخليد وضع الأمور القائم. 
ومن هنا تختلق مفاهيم يمكن بغضلها م إضفاء صفة شرعية على وضع ع الأمور الراهن. 
وتتم عملية إضفاء الصفة الشرعية تلك بالصورة التالية في معظم الحالات : تميل 
الايديولوجيا إلى أن تثبت أن الحالة الاجتماعية الراهنة تتجاوب تمام التجاوب مع 
طبيعة الانسانية ودعوتها وقدرهاء وأن وضع الأمور الراهن يحقق تماما ما تمناه 
الانسان دوما. ولنلاحظ وهذاهام بالنسبة إلى ما يلي» أن عملية التشييء هذه 
للانسان والأفكار والواقع بكامله» تستند إلى التصورالقائل أن ثمة حقائق قد 
اكتسبت إلى الأبد» ولا يجوز الرجوع عنها. ويتجمد انذاك الفكر في التفكير 
ويرفض الحوار والمواجهة» أولا يقبل من مواجهة إلاالتي تتعلق .موضوعات قليلة 


2 الحقيقة 


الأهمية» كما أشار إلى ذلك هنري لوفيفرء أو إلا عندما يتم القبول بعدد معين من 
فرانسوا شائليه : الايديولوجيا والحقيقة 
مترجم بعنوان العقيدة والحقيقة .مجلة دراسات عربية» بيروت فبراير 1964 


4 - هَل السيَاسَة هي هَن الخداع ؟ 





لا ريب في أن كل إنسان يدرك أن من الصفات الحمودة للأمير» أن يكون صادقا 
في وعوده وأن يعيش في شرف ونبل لا في مكر ودهاء. لكن تحارب عصرنا أثبتت 
أن الأمراء الذين قاموا بجلائل الأعمالء لم يكونوا كثيري الاهتمام بعهودهم 
وبالوفاء بهاء وتمكنوا بالمكروالدهاء» من الضحك على عقول الناس وإرباكها. 
وتغلبوا أخيرا على أقرانهم من الذين جعلوا الاخلاص والوفاء رائدهم. 

وعليك أن تدرك أن ثمة سبيلين للقتال. إحداهما بواسطة القانون والآخر عن 
طريق القوة. ويلجأ البشر إلى السبيل الأول. أما الحيوانات فتلجأ إلى السبيل الثاني. 
ولكن لما كانت الطريقة الأولى غي ركافية لتحقيق الأهداف عادة» فإن على الانسان 
أن يلجأ تبعا لذلك إلى الطريقة الثانية. ومن الضروري للأمير أن يعرف استخدام 
الطريقتين معاء أي طريقة الانسان وطريقة الحيوان. وهذا ما نصح به قدماء الكتاب 
الحكام في الماضي» مستشهدين بأخيل وغيره من الأمراء الأقدمين الذين عهد بهم 
إلى شيرون القنطور الخرافي (حيوان) لتربيتهم وتعليمهم على نظامه. وهذا الرمز 
الخرافي» نصف الانسان ونصف الحيوان قصد منه أن يشير إلى أن الأمير يجب أن 
يتعلم الطبيعتين الإنسانية والحيوانية» وإن أحدهما لا يمكن أن يعيش بدون الأخرى. 

وعلى الأمير الذي يجد نفسه مرغما على تعلم طريقة عمل الحيوان» أن يقلد 
الثعلب والأسد معاء إذ أن الأسد لا يستطيع حماية نفسه من الأشرار» والثعلب 
لايتمكن من الدفاع عن نفسه أمام الذئاب. ولذا يتحتم عليه أن يكون ثعلبا ليميز 


تحولات مفهوم الحقيقة ‏ 103 


الفخاخ وأسدا ليرهب الدئاب. وكل من يرغب في أن يكون بحرد أسد فقط لا يفهم 
ذلك. وعلى الحاكم الذكي المتبصرأن لا يحافظ على وعوده عندما يرى أن هذه 
المحافظة تؤدي إلى الاضرار.مصالحه. وأن الأسباب التي حملته على إعطاء هذا الوعد 
م تعد قائمة. ولو كان جميع الناس طيبين» فإن هذا الرأي لا يكون طيباء ولكن 
بالنظر إلى أنهم سيئون» وهم بدورهم لن يحافظوا على عهودهم لك فإنك لست 
ملزما با محافظة على عهودك لهم. ولن يعدم الأميرء الذي يرغب في إظهار مبررات 
متلونة للتنكر لوعوده ذريعة مشروعة لتحقيق هذه الغاية. وفي وسع المرء أن يورد 
عددا لا يحصى من الأمثلة العصرية على هذه الحقيقة» أن يظهر كم من المرات تنكر 
الأمراء لمواثيق السلام» فنقضوا معاهداتهم»وكم من المرات أضحت عهودهم لا 
قيمة لها من جراء تنكرهم لهاء وأن يبرهن على أن أولئك الذين تمكنوا من تقليد 
الثعلب تقليدا طيبا قد نجحوا أكثر من غيرهم. ولكن الضرورة تحتم على الأمير الذي 
يتصف بهذه الصفة أن يجيد إخفاءها عن الناس» وأن يكون مداهنا كبيرا ومرائيا 
عظيما. ومن طبيعة الناس أن يكونوا من البساطة والسهولة بحيث يطيعون 
الاحتياجات الراهنة؛ ولذا فإن من يتقن الخداع يجد دائما أولئك الذين هم على 


استعداد لأن تنطلي عليهم خديعته. 


وسأكتفي بسرد مثال عصري واحد. فالبابا الكسندر السادس لم يقم بأي عمل 

سوى خداع الآخرين» ولم يفكر بأي شيء سوى ذلك وكان يجد دائما الفرصة 

للنجاح في خداعه. ولم يكن ثمة من يفوته مهارة في تقديم الوعود وإغداق 

التأكيدات» داعما إياها بالأمان المغلظةء في الوقت الذي لم يكن هناك من هو أقل 

کا بها منه: ومع ذلك فقد نحح في خداعه دائماء إذ كان يتقن هذه الطريقة في 
معالحة الأمر. 

نيقولو ماكيافللي : الأمير 
التر جحمة العربية : فاروق سعادة» 
دار الآفاق الجديدة ‏ بيروت 1989» ص 147 - 149 


4-. سقراطء الشّجاعَة وقول الحَقَيقَة 





تمهيد 

في أي شكل» وانطلاقا من أي شروط تنأسس الذات القائلة الحقيقة ؟ أي ما هي 
الشروط التي تحعل الذات في منظورها الخاص» وفي منظور الآخرين» ذاتا تقول 
الحقيقة ؟ 

العلاقة بين الذات ‏ الحقيقة في تاريخ الفلسفة علاقة تقليدية قديمة. ما هي 
أماط الممارسات» ما هي الشروط الاجتماعية والتاريخية التي تنيح القول - 
الحقيقة زج »«ذل 1.6[ حول الذات العاملة حول ذات المجنون» أو اميس ف أي 
انطلاقا من أي شروط تتكون المعرفة ‏ الحقيقية 1ه“ :زه:53 1.6 : النفسية أي علم 
النفس» علم الاجتماع» الفلسفة» الدين...؟ 

سنحاول أن نرى كيف تتشكل الذات وتصبح قادرة على قول الحقيقة» تصبح 
في نظرها هي وفي نظر الآخرين ذاتا قادرة على قول الحقيقة النبوية عناوقطممعم 
أو السياسية أو التعليمية أو الفلسفية. لن نهتم إذن بتحليل الخطاب وعلاقاته 
الداخلية, أي بنياته؛ سنترك هذا محال للتحليل الابستمولوجي والبنيوي» بل 
سنبحث في الشروط التي حعل من الذات» ومجحعل الآخرين يعترفون بأنها ذات قائلة 
الحقيقة. 
القول الحق والفلسفة اليونانية 

لم يكن ينبغي انتظار الكنيسة كمؤسسة:؛ لكي تظهر الذات كذات تعترف 
بالحقيقة للقس» أو انتظار مؤسسة التحليل النفسي كي تظهر الذات كذات قائلة 
الحقيقة عن المعاناة والمشاكل النفسية, أو انتظار المؤسسة الطبية لقول الحقيقة عن 
الجسد والصحة والمرض... إلخ. 


تحولات مفهوم الحقيقة ‏ 105 


أي لم يكن ينبغي انتظار القس» الطبيب» امحلل النفسي» أو القاضي... هذه 
الوجوه التي تنتصب أمامها الذات لتقول الحقيقة عن نفسهاء ذلك أنناء ومنذ 
الفلسفة اليونانية» نيحد مسألة قول الحقيقة عن الذات تحتل مكانة كبرى» وقد تكون 
عبارة سقراط اعرف نفسك بنفسك» محرد إشارة إلى الأهمية التي يوليها اليوناني 
لمعرفة الذات وقول الحقيقةعن الذات نذكر كأمئلة : الرواقيون والابيقوريونء ولنا 
في الثقافة المعاصرة أمثلة على ذلك : اعترافات القديس أوغسطين, اعترافات جان 
جاك روسو. 

غير أنه في الفلسفة ينبغي أن نشير إلى أن قول الحقيقة عن الذات لم تكن مؤسسية 
أي لم تكن تفترض مؤسسة لكي تتمكن الذات من قول الحقيقة» قول الحقيقة قد 
0 أمام أستاذ ري 8 إنساك 007 : صديق ا مره للقفات 
yS‏ ل 
الأمر قد يتعلق بوضع بيداغو حي» أو بنصيحة سياسية» أو اعتراف بحب وتعلق 
وشخصية محددة کب » محلل نفساني» قاضي . الوق افا وات 
متلهيوها كنووريا لقو التفيقة أو لكشن الذات كذاتك قائلة للحفيقة: وهذا المفهوم 
هووزوقط روط أي 1e vrai dire, Le lout dire, Le Franc parler‏ القول الحق» القول 
الصريح» قول كل شيء عن الذات القائلة. 

إن قول ١‏ لحقيقة يتطلب نوعا من الث لشجاعة, والقدرة. لما تثيره معرفة | لحقيقة من 
نتائج وخيمة على القائل. قد تؤدي به إلى الموت كما حدث لسقراط. 

إن قول الحقيقة للمعشوق أو المحبوب قد تؤدي إلى العصف بالعلاقة» وقول 
الحقيقة للحاكم قد تؤدي إلى السجن أو الإعدام» وقول الحقيقة للطبيب قد تئدي 
أيضا إلى نتائج لا تحمد عقباها. 


6 الحقيقة 


ينبغي إذن» لقول الحقيقة عن الذات» أن يتوفر نوع من الشجاعة قد تصل إلى 
حدود المغامرة» مغامرة تسبب ازعاج الآخر» إقلاقه» مغامرة قد تودي با حياة نهائيا. 

في هذا الاطار أي في ارتباط قول الحقيقة بالشجاعة» ينبغي أن نفهم المبدأ 
السقراطي «إعرف نفسك بنفسك» هكذاء انطلاقا من المبد! السقراطي هذا (اعرف 
الذات/نسيان أو اهمال الذات» وعن قول الحقيقة عن الذات» وعن شروط تكوؤّن 
الذات كذات قادرة على قول الحقيقة. 

وانطلاقا من هذا المبد! أيضاء يمكن أن ندرس مجموعة أشكال قيادة الذات» أو 
سياسة الذات» أي مختلف أشكال السلوك الاخلاقي» كيف ينبغي أن للب ال 
نأكل» أن نتحرك» أن تمارس الجنس.. 

معرفة الذات» قول الحقيقة عن الذات» قياة الذات» أمور احتلت مكانة كبرى 
في تاريخ الفلسفة اليونانية. 
أربعة أغماط لقول الحقيقة 

انطلاقا من هذا التقديم يمكن أن نرصد أربعة أنماط لقول الحقيقة لدى اليوناني : 
قول الحقيقة النبوية» قول الحقيقة الفلسفية» قول الحقيقة السياسية» قول الحقيقة 
التعليمية. 

0 0 : إن الصا لدت اقوية لحي لاحن ني د 
كل العام الذي ل بالنسبة للحقيقة «الخالصة» و«الخالدة») عام الظلمات. 
الاتتقال من عالم الظلمات إلى عالم النور» من عالم الخطأ إلى عالم الصواب, من عام 
العبور والفناء إلى عالم الدوام والخلود» هذا الانتقال هو الذي يميز المسار الأخلاقي 
الذي يؤسس الذات النبوية» كذات قادرة على قول الحقيقة» قادرة على رؤية 
الحقيقة. فيما يلي سنحاول أن نبرز بعض مميزات الخطاب النبوي : 


تحولات مفهوم الحقيقة ‏ 107 


النبي هو إنسان يقول الحقيقة» وعلى خلاف قول الحقيقة الفلسفية أوالعلمية أو 
السياسية» فإن ما بميز الحقيقة النبوية هو أن النبي لا يمكن تصوره خارج وضعية 
الوسيط. فالنبي تعريفا لا يتكلم باسمه ١‏ لخاص» إنه يعبر عن صوت آخرء الكلام 
الذي يعبر عنه هو كلام الله يخاطب الناس بخطاب إلهي. النبي إذن وسيط بين الله 
والناس. 

النبي أيضا وسيط بالمعنى التالي : إنه وسيط بين الحاضر والمستقبل فهو يكشف ما 
خبأه الزمان عن الناس» أي أن أي نظرة إنسانية لا تستطيع أن ترى» ولا أي أذن 
إنسانية أن تسمع بدونه. وهنا الميزة الثانية لوساطة النبي. 

والنبي وسيط كذلك باعتباره يكشفء ويعري» ويوضح ما خفي عن الناس. 
لكنه لا يقوم بذلك دون أن يكون غامضا هو نفسه» أي دون أن يقدم كلامه في 
شكل رمزي غامض» فهولا يقول الحقيقة في تمام وضوحهاء وحتى عندما يتعلق 
الأمر ما ينبغي أن يكون» تبقى دائما ضرورة التساؤل حول ماقاله» هل فهمنا كلامه 
فعلا ؟ هل خرجنا فعلا من الضلال ؟ (ضرورة التساؤل» ضرورة التردد» ضرورة 
التأويل.) يكون الرسول هنا أيضا وسيطا بين الوضوح والكشف» والغموض 
والسر. 

قول الحقيقة الفلسفية : الفيلسوف يختلف جوهريا عن النبي . الفيلسوف لا يتكلم 
باسم غيره» بل يتكلم باسمه هو. لايعلن ما ينبغى أن يكو ن» ولكن يفسر ماهو كائن 
بالفعل. أثير الانتباه فقط إلى مقدمة كتاب مبادئ فلسفة الحق لهيجل. 

يقول : «فيما يتعلق.ما ينبغي أن تكون عليه الأشياء؛ تأتي الفلسفة متأخرة دائما. 
الفلاسفة يتعقبون التاريخ فقط لا تطير بومة منيرفا إلا عند حلول الليل. م تنتظر 
الشعوب الفلسفة أبدا لتتعلم كيف تسيّر أمورها». 

ليست مهمة الفيلسوف إذن أن يقول ما ينبغي أن يكون؛ ولكن الفلسفة منذ 
أفلاطون تهتم بتفسير وفهم ما هو مو حود» وإشكالاتها تعلق بطريقة فهم ما هو 
مو جود كما یجب أن يفهم. 


108 الحقيقة 


وأيضا لا يلجأ الفيلسوف إلى الغموض والرمزية كما هي رمزية النبي» بل يتكلم 
بوضوح.ء كلامه يمكن أن يكون واضحا ومباشرا. 

ولكي تتأسس الذات كذات قادرة على قول الحقيقة الفلسفية» ينبغي أن يكون 
الشخص يونانيا لا غريبا أجنبياء رجلا لا إمرأة» سيدا لا عبدا. الأحنبي والمرأة والعبد 
لا يمكن, بل لا يجوز أن يقول الحقيقة الفلسفية. 

قول الحقيقة السياسية : السياسي يقول الحقيقة هو أيضا. وهو في ذلك مثله مثل 
النبي) لا يتكلم باسمه الخاص» بل يتكلم باسم المدينة م16 aا.‏ وهو يختلف عن 
الفيلسوف» لأنه لا يكتفي بتفسير ما هو كائن بالفعل» بل يقول ما ينبغي أن يكون» 
أي الصالح العام الذي به تكون المدينة ونظامها. 

قول الحقيقة التعليمية : يظهر الأستاذ أو الملقن كشخص يقول الحقيقة» هذا 
الشخص قد يكون فيلسوفا محترفاء أو حرفياء أو صانعاء أو موسيقياء أو رياضيا 
بملك معارف أو أفكارا مرتبطة .مممارسات وتمارين وله القدرة على أن يعلمها 

هذه الشخصية» كما تظهر في حاورات أفلاطون, تقول الحقيقة. عليها واجحب 
القول والتبليغ. وهي لا يمكن أن تتكون دون وجود شخص آخر تعلمه وتلقنه. 

هذا المعلم أو الأستاذ أو التقني لدى اليونان لا يغامرء وهوفي غير حاجة إلى 
شجاعة ليقول الحقيقة. بل على العكس من ذلك» قد يربطه مع من يسمعه روابط 
المعرفة المشتركة, روابط الإرث والتقاليد, روابط قد تؤدي إلى الإعجاب أو 
الصداقة. .. 


في شخص سقراط. 


م. فوكو. ترجمة توفيق رشد 
عن يحلة «نحمة» العدد 2.أكتوبر 1987 الدار البيضاء 


ه ‏ الحقيقة والسلطه 


4 سياسة المعرفة 





ولقد اعترضت على , بعض الكلمات المبثوثة في تصانيفنا في أسرار علوم الدين» طائفة 
من الذين لم تستحكم في العلوم سرائرهم» و لم تنفتح إلى أقصى غايات المذاهب بصائرهم» 
وزعمت أن تلك الكلمات من كلام الأوائل» مع أن بعضها من مولدات الخواطر ‏ ولا 
ا 0 - وبعضها يوجد في الكتب الشرعية؛ وأكثرها موجود معناه 
في كتب الصوفية. وهب أنها لم توجد إلا في كتبهمءفإذا كان ذلك الكلام معقولا في 
نفسه» مؤيدا بالبرهان» و لم يكن على مخالفة الكتاب والسنة» فلم ينبغي أن يهجر ويترك ؟ 
فلو فتحنا هذا الباب» وتطرقنا إلى أن يهجر كل حق سبق إليه خاطر مبطل» للزمنا أن نهجر 
كثيرا من الحق» ولزمنا أن نهجر جملة أيات من آيات القرآن وأخبار الرسول وحكايات 
السلف وكلمات الحكماء والصوفية» لأن صاحب كتاب «اخوان الصفا» أوردها في 
كتابه مستشهدا بها ومستدرجا قلوب الحمقى بواسطتها إلى باطله ؛ ويتداعى ذلك إلى أن 
يستخر ج المبطلون الحق من أيدينا بإيداعهم إياه كتبهم. وأقل درجات العلم : أن يتميز عن 
العامي الغمرء فلا يعاف العسلء وإن وجده في محجمة الحجام؛ ويتحقق أن المحجمة لا 
نغير ذات العسل» فإن نفرة الطبع عنه مبنية على ججهل عامي منشؤه أن امحجمة» إنما صنعت 
للدم المستقذرءفيظن أن الدم المستقذر لكروا يجيد رلارلرى a‏ 
ذاته ؛ فإذا عدمت (هذه) الصفة في العسل» فكونه في ظرفه لا يكسبه تلك الصفة» فلا 
ينبغي أن يوجب له للاستقذارء وهذا وهم باطل» وهوغالب على أكثر الخلق. فإذا نسبت 
الكلام وأسندته إلى قائل حسن فيه اعتقادهم» قبلوه وإن كان باطلا ؛ وإن أسندته إلى, من 
ساء فيه اعتقادهم ردوه وإن كان حقا.فأبدا يعرفون الحق بالرجال ولا يعرفون الرجال 
بالحق» وهو غاية الضلال ! هذه آفة الرد. 
الغزالي . المنقذ من الضلال» ص ص 26 - 27 


0 
3 
ار 
5 


4-إرَادَة الحقيقّة 





أفترض أن إنتاج الخطاب» في كل مجتمع» هو في نفس الوقت إنتاج 
مراقب»ومنتقى» ومنظم وموزع من خلال عدد من الاجراءات التي يكون دورها 
هو الحد من سلطانه ومخاطره؛ والتحكم في حدوثه المحتمل» وإخفاء ماديته الثقيلة 
والرهيبة) إننا نعرف طبعاء في مجتمع كمجتمعناء إجراءات الاستبعاد. أكثر هذ 
الاحراءات بداهة, وأكثرها تداولا كذلك هو المنع. إننا نعرف جيدا أنه ليس لدينا 
الحق في أن نقول كل شيء.وأننا لا يمكن أن نتتحدث عن كل شيء كان. هناك 
الموضوع الذي لا يجوز الحديث عنه وهناك الطقوس الخاصة بكل طرف» وحق 
الامتياز أو ا مخصوصية الممنوح للذات المتحدثة : تلك هي لعبة الأنواع الثلابة من 
إجراءات المنع التي تتقاطع وتنعاضد أو يعوض بعضها البعض مُشكلة سياجا معقدا 
يتعدل باستمرار. أشير فقط إلى المناطق التي أحكم السياج حولهاء وتتضاعف 
حولها الخانات السوداء في أيامنا هاته هي مناطق الجنس والسياسة : وكان الخطاب» 
بدل أن يكون هذا العنصر الشفاف أو الحايد الذي يجرد فيه الجنس من سلاحه 
وتكتسب فيه السياسة طابعا سليماء هو أحد المواقع التي تمارس فيها هذه المناطق 
بعض سلطتها الرهيبة بشكل أفضل. يبدو أن الخطاب في ظاهره شيء بسيط» لكن 
أشكال المنع التي تلحقه تكشف باكرا وبسرعة عن ارتباطه بالرغبة وبالسلطة»وما 
المستغرب في ذلك مادام الخطاب - وقد أوضح لنا التحليل النفسي ذلك - ليس فقط 
هو ما يظهر (أو يخفي) الرغبة» لكنه أيضا هو موضوع الرغبة. ومادام الخطاب - 
والتاريخ ما فتئ يعلمنا ذلك ليس فقط هو ما يترجم الصراعات أو أنظمة السيطرة 
لكنه هو ما نصارع من أجله» وما نصار ع به» وهو السلطة التي نحاول الإستيلاء 
عليها. 

يوجد في مجتمعنا مبدأ آخر للابعاد : لا يتعلق الأمر هنا بالمنع بل بعملية قسمة 
ورفض. أشير هنا إلى التعارض بين العقل والحمق. لقد كان الأحمق, ابتداء من 


تحولات مفهوم الحقيقة ‏ 111 


القرون الوسطى» هو ذلك الذي لا يتداول خطابه كما يتداول خطاب الآخرين : 
فقد يعتبر حديثه فارغا ولا قيمة له» حديئا لا عتلك أية حقيقة ولاأية أهمية» حديثا لا 
بمكن أن يكون محط ثقة من طرف العدالة ولا يمكن أن يخذ كشاهد على صدق 
عقد أو ميئاق» ولا يمكن حتى أن يسمح له.عمارسة القربان في القداس» وأن يجعل 
من الخبز جسدا ؛ وقد يحدث في مقابل ذلك أن تنسب له قدرات غريبة» بالتعارض 
مع كل الباقي أي القدرة على الجهر بحقيقة مخفية والقدرة على التعير عن المستقبل 
وعلى الرؤية الساذجة لما لا يمكن أن تدركه حكمة الآخرين. ومن الغريب أن 
نلاحظ أن كلام الأحمق قد ظل لعدة قرون في أورباء كلاما لا يسمع» وفيما إذا 
استمع إليه» فإنه يستمع إليه ككلام يعبر عن الحقيقة. وإما أنه يسقط في العدم - 
يرفض حالما يتلفظ به. وإما أن يكشف فيه عن عقل ساذج أو ذي دهاءءعن عقل أكثر 
معقولية من عقل العقلاء. على كل حال» سواء كان كلام الأحمق مبعدا أو مستعملا 
بصورة سرية من طرف العقل» في معناه الدقيق» فإنه كلام لم يكن موجودا. كان 
التعرف على حمق الأحمق عبر أقواله. وقد كانت أقواله في الحقيقة هي الموقع الذي 
نمارس فيه عملية القسمة ؛ ولكنها لم تكن أبدا أقوالا متقبلة ولا مستمعا إليها. فقبل 
نهاية القرن الثامن عشرء لم يخطر أبدا على بال أي طبيب أن يحاول أن يعرف ما 
كان يقال في هذا !ا لكلام (كيف قيل» ولماذا قيل) الذي كان مع ذلك كلاما يحقق 
التمايز. كل هذا الخطاب الواسع للأحمق كان يتحول إلى نوع من الضجيج. ولم 
تكن الكلمة تعطاه إلابصورة رمزية» على المسرح حيث كان يتقدم مسالما ويجحردا من 
سلاحه» لأنه يلعب فيه دور الحقيقة المغطاة بقناع. 

سيقال لي بأن هذا كله قد انتهى اليوم» أو إنه في الطريق إلى الزوال ؛ وبأن كلام 
ا ل ل ا ا 
قيمة له؛ بل على العكس من ذلك فإنه يرصدنا ؛ كما أننا نبحث فيه عن معنى أو عن 
بداية أو عن بقايا عمل ماء وأننا توصّلنا إلى أن تصادف قول الأحمق فيما نتلفظ به 
نحن أنفسناء عبر هذا الشق الصغير الذي يفلت منّاء من خلاله, ما ننطق به. لكن 
هذا الاهتمام لا يرهن على أن القسمة القديمة لم تعد قائمة ؛ ويكفي أن نتخيّل شبكة 


المؤسسات التي تمكن أيا كان - طبيب» محلل نفساني ‏ من أن يستمع إلى هذا الكلام؛ 
والتي تمكن المعالج من أن يقدم كلماته البئيسة أو أن يحتفظ بها بقنوط. يكفي أن 
نفكر في ذلك كله لنخمن بأن القمسة لم تمح بل إنها ما تزال تؤدي دورها بكيفية 
أخرى حسب خطوط مختلفة. وحتى عندما يقتصر دور الطبيب على إعارة السمع 
القمسة. إنه استماع لخطاب تستعمله الرغبةت خطاب يعتقد ‏ إما من أجل تحمسه 
الكبير أو من أجل بؤسه الكبير ‏ بأنه حمل بقدرات رهيبة.وإذا كان صمت العقل 
ضروريا لاإشفاء الخلوقات الممسوخة» فيكفي أن يكون الصمت في حالة تأهَّب» 

قد يكون من باب المغامرة اعتبار التعارض بين ما هو حقيقى وما هو خاطى.عثابة 
منظومة ثالئة للابعاد بجانب المنظومات التى ذكرتها. كيف يمكننا أن نقارن مقارنة 
معقولة إحبارية الحقيقة بقسمات كهذه» قسمات تكون جزافية في البداية أو على 
الأقل تنتظم حول عوارض تاريخية ؛ قسمات لا تعتبر فقط قابلة للتعديل ولكنها في 
وتقودها ؛ وهي في الأخير قسمات لا تمارس بدون إرغام ولا بغيرقسط ولو ضئيل 
من العنف. 

فإذا وضعنا أنفسنا في مستوى قضية مصونة ضمن خطاب ماء فإن الفصل بين 
تاشر سيق و و ا ر و ا العلل .ويا 
مؤسسياء ولا عنيفا. لكن إذا وضعنا أنفسنا في مستوى آخرء وإذا طرحنا السؤال 
بقصد معرفة ما إذا كانت وماهى باستمرار إرادة الحقيقة عبر خطاباتناء هذه الإرادة 
التي عبرت قرونا من تاريخناء أوما هو في شكله العام جداء نوع القمسة الذي 
يحكم إرادتنا للمعرفة. فربما كانت .عثابة نسق للوبعاد (نسق تاريخيء قابل للتعديل» 
إنها قسمة تشكلت تاريخيا على وجه التأكيد. إذ أن الخطاب الحقيقى ‏ بالمعنى 
القوي والقيم للكلمة ‏ لدى الشعراء الإغريق في القرن السادسء الخطاب الذي 


يحظى من طرفنا بالاحترام والهيبة» الخنطاب الذي كان يتعين الخضوع له لأنه هو 
السائد, هو الخطاب الصادر عمن له الحق في ذلك وحسب الطقوس المطلوبة ؛ إنه 
الخطاب الذي كان يطبق العدالة على مستوى القول ويعطي لكل نصيبه» إنه 
ا لخطاب الذي يعلن - وهو يتنبا بالمستقبل - لا عمًا سيقع فقط» بل يسهم في تحقيقه» 
ويحمل معه مساهمة الناس ملتحما بذلك مع المصير. والحال أنه» بعد قرن من الزمن 
أصبحت الحقيقة الأسمى لا تقوم فيها كانه الخطاب أو فيما كان يفعله» بل تقوم فيما 
كان يقوله : لقد حل اليوم الذي انتقلت فيه الحقيقة من الفعل الطقوسي الناجع 
والصائب» أي من فعل النطق إلى المنطوق نفسه : نحو معناه وشكله وموضوعه 
وعلاقته عمرجعه. لقد أقيمت قسمة معيّنة بين هزيود وأفلاطون» قسمة تفصل بين 
الخطاب الحقيقي بعد الآن لم يعد هو الخطاب القيم والمرغوب فهيء لأنه لم يعد هو 
الخطاب المرتبط .مممارسة السلطة. لقد طرد السفسطائي. 

إن هذه القسمة التاريخية قد أعطت, بدون شكء لإرادتنا في المعرفة صورتها 
العامة. ولكنها مع ذلك ما فتئت تنتقل : فالتحولات العلمية الكبرى يمكن أن تقرأ 
أحيانا كنتائج لاكتشاف ماء لكنها يمكن أيضا أن تقرأ على أنها ظهور لأشكال 
جديدة ضمن إرادة الحقيقة. هناك بدون شك.في القرن التاسع عشرء إرادة 
للحقيقة لا تلتقيءلا من حيث الأشكال التي تستخدمهاء ولا من حيث ميادين 
الملوضوعات التي تتوجه إليهاء ولا من حيث التقنيات التي تعتمد عليهاء مع إرادة 
الحقيقة التي تسم الثقافة الكلاسيكية. ولنعد قليلا إلى ره فى تعطق ا 
السادس عشر والسابع عشر (وفي إبجحلترا على وجه الخصوص) ظهرت إرادة معرفة 
ترسم - مستبقة في ذلك مضامينها الحالية - مستويات من الموضوعات الممكنة» 
والقابلة للملاحظة» والقابلة للتصفيف ؛ إرادة معرفة كانت تفرض على الذات 
العارفة (وبصورة ما قبل كل تحربة) موقعا ماءونظرة ماء ووظيفة ما (النظر بدل 
القراءة» الاختبار بدل التعليق) ؛ إرادة معرفة بمليها (وبصورة أكثر عمومية من أية أداة 
محددة) المستوى التقني الذي يتعين أن تستعمل فيه هذه المعارف التى تكون قابلة 
للاختبار ومفيدة. كل شىء يحدث كما لو أن لإرادة الحقيقة» انطلاقا من القسمة 


114 الحقيقة 


الكبرى الافلاطونية» تاريخها الخاص, الذي ليس هو تاريخ الحقائق «الموجهة» : 
تاريخ مستويات الملوضوعات التي يتعين معرفتها» وتاريخ وظائف الذات العارفة 
وأوضاعهاء وتاريخ الاستعمالاات المادية والأدانية للمعرفة.. 


والحال أن إرادة الحقيقة هاته ترتكز مثلهافي ذلك مثل سائر منظومات الإبعاد, 
على دعامة مؤسسية : فهي في نفس الوقت مدعمة وموجهة من طرف قدر هائل 
من الممارسات كعلم التربية طبعاء ومثل منظومة الكتبء والنشر والطبع» 
والخزانات»ومثل الجمعيات العلميةسابقا أو امختبرات اليوم. ولكنها موجهة أيضاء 
وبشكل أعمق بدون شكء من طرف الكيفية التي استعملت بها المعرفة في يجتمع ما 
وبالكيفة التي تقيم بهاء وتوزع بهاء بالكيفية التي تقسم بها المعرفة وتمنح بها بصورة 
ما.. لنذكر هناء بشكل رمزي فقطء بالمبدأ الإغريقي : إن الرياضيات يمكن أن تكون 
من مهام المدن الديمقراطية لأنها تعلم علاقات المساواة» ولكن الهندسة يجب أن 
تعلم وحدها في الأوليغارشيات لأنها تبرهن على النسب ضمن عدم التساوي. 

أظن في الأخير أن إرادة الحقيقة هاته» باعتمادها كذلك على دعامة وعلى توزيع 
مؤسسيءتميل إلى أن تمارس نوعا من الضغط على الخطابات الأخرى وكأنها سلطة 
(وأنا أتحدث هنا دوما عن مجتمعنا). إن أفكر أيضا في الطريقة التي كان فيها على 
الأدب الغربي أن يرتكز, لعدة قرون على ما هو طبيعي» وقريب من الحقيقة» وعلى 
الصدق» وعلى العلم أيضا ‏ أي باختصار على الخطاب الحقيقي. أفكر أيضا في 
الطريقة التي حاولت بها الممارساتالاقتصادية - وهي مصوغة في قواعد على شكل 
معايير آمرة أو على هيأة سجلات للمداخيل» وضمنيا كأخلاق ‏ البحث عن أساس 
لذاتهاء وحاولت بهاء منذ القرن السادس عشرء أن تعقلن ذاتهاء وأن تحد تبريرا 
لذاتها في نظرية الثروات والإنتاج» أفكر أيضا في الطريقة التي بحثت بها مجموعة 
أمرية كمنظومة العفويات عن مرتكزاتها أو عن تبريراتها قبل كل شيء من نظرية 
للحق» ثم ابتداء من القرن 19 في معرفة سوسيولوجية ونفسانية وطبية» وطبية نفسية؛ 
كما لو أن كلام القانون نفسه لم يعد من الممكن الترخيص به في مجتمعنا إلا بواسطة 


خطاب حقيقة. 


من بين منظومات الإبعاد الشلاثة الكبرى التي تمس الخطاب, أي الممنوع, 
وقمسة الحمق, وإرادة الحقيقة» تحدثت مطولا عن المنظومة الثالئة. وذلك لأن 
المنظومات الأولى لم تكف عن الصب في اتحاه منظومة إرادة الحقيقة ؛ وذلك أيضا 
لأنها تحاول. أكثر فأكثرء أن تأخذ المنظومتين الباقيتين لحسابها لكي تعد لهما 
وتؤسسهما في نفس الوقت» وذلك لأنه إذا كانت المنظومتان الأوليتان تصبحان 
هشّتين أكثر فأكثر» وأقل يقينا من حيث إننا نشاهد أن إرادة الحقيقة تخترقهما الآن» 
E Sb‏ مقازل ذلك و تتدعي وتعه إل ls a‏ 
قابلية للاحاطة. 

ومع ذلك فإرادة الحقيقة هي الشيء الذي قَلّما يتحدث عنه. كما لو أن إرادة 
الحقيقة وتعرحاتها كانت بالنسبة لنا محجوبة من طرف الحقيقة نفسها خلال مسارها 
الضروري. رركا كان تتم للك نوها لابو زو Saa‏ منڏ 
الإغريق» هو ذلك الخنطاب الذي يستجيب للرغبة أوذلك المخطاب الحقيقي» فبم 
لا ا ا را اا ای ا 
ضرورة شكله من الرغبة وتحرّره من السلطةلا يمكن أن يتعرف على إرادة الحقيقة 
لي را ون قات راد E E E‏ 
طويلة» أنها لا مكن ألا تقئع الحقيقة التي تريد. 

هكذالا تظهر أمام أعيننا سوى حقيقة واحدة ستكون عبارة عن ثروة) 
وخصوبة» وقوة عذبة وشمولية بصورة ملتوية. ونحن بالمقابل نجهل إرادة الحقيقة» 
كمجموعة اليات هائلة تستهدف القيام بعمليات الابعاد. إن كل أولئك الذين 
حاولوا» من نقطة إلى أخرى ضمن تاريخناء تطويق إرادة الحقيقة هاته ووضعها 
موضع سؤال ضد الحقيقة» في اللحظة التي كانت فيها الحقيقة تحاول تبرير الممنوع 
وتعريف الحمق» كل هؤلاء؛ من نيتشه إلى أرتو (وسهاعة) وإلى باتاي (ماانها8)» 
يجب أن يكونوا بالنسبة لنا علامات» سامقة بدون شك على طريق العمل الذي 
قوع يه كل يوم 

فوكو : نظام الخطاب 





الهم ؛ على ما أعتقدء هو أن الحقيقة ليست خارج السلطة وليست بدون سلطة 
(وعلى الرغم من أسطورة يتعين إعادة تاريخها ووظائفها مرة أخرى» فإن الحقيقة 
ليست هي جزاء النفوس المفكرة الحرة» وليست بنت الخلوات الطويلة»ولا الامتياز 
الذي يستمتع به أولئك الذين عرفوا كيف يتخلصون من الالتزامات). إن الحقيقة 
هي من هذا العالم» فهي ناتحة فيه بنفضل عدة إكراهات. وهي تمتلك فيه عدة تأثيرات 
منتظمة مرتبطة بالسلطة. لكل جتمع نظامه الخاص المتعلق بالحقيقة» و(سياسته 
العامة» حول الحقيقة : أي أنماط النطاب التي بها هذا امجتمع ويدفعها إلى تأدية 
وظيفتها كخطابات صحيحة ؛ لكل مجتمع الآليات والهيئات التي تمكنه من التمييز 
بين المنظوقات الصحيحة والخاطئة» والطريقة التى نتبين بها هاته من تلك ؛ وكذا 
التقنيات والإجراءات المشار إليها من أجل التوصل إلى الحقيقة ؛ وكذا مكانة أولنك 
الذين توكل إليهم مهمة تحديد ما يمكن اعتباره حقيقيا. 

إن «الاقتصاد السياسى» للحقيقة» فى ختمعات كمجتمعنا يتميز بخمس سمات 
مهمة تاريخيا : ف«الحقيقة» متمركزة على شكل الخطاب العلمي وعلى المؤسسات 
التي تنتجه ؛ فهي خاضعة لنو ع من التحريض الاقتصادي والسياسي الدائم (الحاجحة 
إلى الحقيقة سواء من أجل الإنتاج الاقتصادي أو من أجل السلطة السياسية) ؛ 
«فالحقيقة) هي موضوع نشر واستهلاك (فهي تتداول في أجهزة التربية أو الإعلام 
التي يعتبر امتدادها أوسع نسبياً في الجسم الاجتماعي» رغم بعض عمليات الحد) ؛ 
و«الحقيقة) يتم إنتاجها ونقلها تحت المراقبة لا الخاصة بل المهيمنة لبعض الاجهزة 
السياسية أو لاقتصادية الكبرى (الجامعة, الجيش» الكتابة» وسائل الاتصال 
الجماهيرية) ؛ وأخيرا فهي مدار كل نقاش سياسي وكل صراع اجتماعي (صراعات 
«ايديو لو جحية»). 


تحولات مفهوم الحقيقة ‏ 117 


يبدو لي أن ما يجب أخذه بعين الاعتبار» الآن» في المثقف ليس هوكونه «حاملا 
لقيم شمولية»»بل إنه ذلك الذي يحتل موقعا خاصا ‏ لكنها خصوصية مرتبطة 
بالوظائف العامة لجهاز الحقيقة في مجتمع كمجتمعنا. وبعبارة أخرى. فإن المثقف 
ينتمي إلى خصوصية مثلثة : خصوصية موقعه الطبقي (بورجوازي صغير في خدمة 
الرأسمالية» أو مثقضف «عضوي» من البرولتاريا) ؛ وخصوصية ظروف عيشه 
وعمله» المرتبطة بوضعه كمثقف (ميدان بحثه» موقعه داخل الختيرءالمتطلبات 
السياسية أو الاقتصادية التي يخضع لها أو تلك التي يتمرّد عليها في الجامعة أو 
المستشفى... أله) ؛ وأخيرا خصوصية سياسة الحقيقة في مجتمعاتنا. وهناك يمكن 
لموقعه الاجتماعي أن يأخذ دلالة عامةع وعكن للصراع ا حلي أو الخاص الذي 
يخوضه أن يحمل معه تأثيرات ومقتضيات ليست فقط مهنية أوقطاعية. إنه يكدي 
وظيفته أو يصارع على المستوى العام لهذا النظام للحقيقة الذي هو شيء أساسي 
بالنسبة للبنيات ولاشتغال محتمعنا. هناك صراع من «أجل الحقيقة»» أو على الأقل 
«حول الحقيقة»- ولا نعني مرة أخرى بحقيقة «مجموع الأشياء التي يتعين اكتشافها 
أو جعل الآخرين يتقبّلونها»» بل «مجموع القواعد التي يمكن بمقتضاها أن نفرز ما 
هو حقيقي عما هو خاطئ وننسب إلى الحقيقي سلطة ذات تأثيرات خاصة»» هذا 
مع العلم أيضا بأن الأمر لا يتعلق بكفاح «لصالح» الحقيقة» بل حول مكانة وقيمة 
الحقيقة وحول الدور الاقتصادي - السياسي الذي تلعبه. يجب أن نفكر في المشاكل 
السياسية للمثقفين لا من خلال ألفاظ «علم/ايديولوجيا» بل من خلال ألفاظ 
«حقيقية/سلطة». وهناك مكن إعادة النظر من جديد في مسألة التأهيل المهني 
للمثقف» وفي تقسيم العمل اليدوي/الذهني. 

كل ذلك قد يبدو مختلطا وغير أكيد. غير أكيد. نعم» وما أقوله بهذا الصدد هو 
بحرّد فرضية ضية. ومن أجل أن يكون أقل التباسا أود أن أقدم بعض «القضايا»» ‏ لا.ععنى 
أشياء مقبولة بل فقط مقدمة كمحاولاات أو اختيارات مقبلة. 


نعنى ب«الحقيقة» مجموعة من الطرائق المنظمة من أجل الإنتاج والقانون 
a‏ والتداول» واشتغال المنطوقات. 


118 الحقيقة 


إن «الحقيقة» مرتبطة دائريا بأنساق السلطة التي تنتجها وتدعمهاء وبالآثار التي 
تولدها والتي تسوسها. وهو ما يدعي «نظام» الحقيقة. 

ليس هذا النظام فقط إيديولو جيا أو من البنية الفوقية ؛ بل كان شرطا لتكون 
وتطور الرأسمالية. وهو الذي يشتغل في معظم البلدان الاشتراكية» مع بعض 
التعديلات (أترك مسألة الصين مفتوحة لأني لا أعرفها). 

إن المشكل السياسي الأساسي» بالنسبة للمثقف» ليس هو أن ينتقد المضامين 
الإيديولوجية التي قد تكون مرتبطة بالعلم» أوأن يعمل بحيث تكون ممارسته العلمية 
مصحوبة بإيديولوجيا صائبة. بل هو أن يعرف ما إذا كان من الممكن إنشاء سياسة 
جديدة للحقيقة. إن المشكل ليس هو تغيير «وعي» الناس أو ما يوجد في ذهنهم, بل 

لا يتعلق الأمر بتخليص الحقيقة من كل منظومة سلطة ‏ إذ أن ذلك وهم لأن 
الحقيقة ذاتها سلطة ‏ بل بإبعاد سلطة الحقيقة عن أشكال الهيمنة (الاجتماعية 
والاقتصادية والثقافية) التي تشتغل داخلها لحد الآن. 
إن المسألة السياسية» إجمالاء ليست هي الخطأء أو الوهم, أو الوعي المستلب» 
أو الايديولوجيا ؛ إنها الحقيقة ذاتها. 

حوار مع ميشيل فوكو نشر بمجلة (0,ه'آ) العدد 70 (1977) 


54 هَل الحَقِيقَة مِن «إنتاج. السُلْطَّة ؟ 





ولعله يتعين أيضا التخلي عن تقليد كان يجعلنا نعتقد بأنه لا يمكن أن تكون هناك 
معرفة إلاحيث تتم إزالة علائق السلطة» وأن المعرفة لا يمكن أن تتطور إلا خارج 
دوائر السلطة» ومتطلباتها ومصا حها. بل را كان من الأجدى تقبل أن السلطة تنتج 
المعرفة (...) وأن كلا من السلطة والمعرفة يتضمن ويستلزم أحدهما الآخر ؛ وأنه 


تحولات مفهوم الحقيقة ‏ 119 


ليست هناك علاقة سلطة لا تشكل محالا معرفيا مقابلا لها ومرتبطا بهاء كما أنه 
ليست هناك معرفة لا تفترض ولاتشكل في ذات الوقت علاقات سلطة. وهذه 
العلائق المتبادلة «سلطة ‏ معرفة» لا يمكن تحليلها انطلاقا من ذات عارفة قد تكون 
حرة أولا تكون, ثحاه نظام السلطة ؛ بل يجب على العكس من ذلك اعتبار ان 
الذات التي تمارس فعل المعرفة» وأن الموضوعات التي يتعين معرفتهاء وأن طرائق 
المعرفة» هي مفعولات لهذه المقتضيات الأساسية للسلطة المعرفة ولتحولاتها 
التاريخية. وبإيجاز فإنه ليس نشاط الذات العارفة هو الذي ينتج معرفة» مفيدة 
للسلطة أو متمردة عليهاء بل إن السلطة ‏ المعرفة؛ والعمليات والصراعات التي 
تخترقها والتي تتشكل منهاء هي التي تحدد الأشكال والحالات الممكنة للمعرفة. 


Michel Foucault : Surveiller et punir. Gallimard 1975, p. 32 


الفهرس 


1 هل الحقيقة ثمكنة ؟ وبأي معنى ؟ 
1- هل بإمكان الانسان أن يدرك الحقيقة (هيجل) ل ل م 
31 الحقيقة معيار ذانها (سيينوزا) ns‏ 
1 الحقيقة والبداهة (هيدحر) es‏ 
1 في الحقيقة (فرانسوا جور ج) es‏ 


1- تاريخ الفلسفة ووحدة الحقيقة (بول ريكور) ا 
1- تفكيك البداهات (علي حرب) م مم قم مم مه م مه م عم وم م لقم 


2 نقائض الحقيقة أم نسيجها ؟ 


2 الحقيقة العلمية خطأ تم تصحيحه (باشلار) 0 
2 _ النطأ في عدم تقدير أهمية الخطأ (موران) e‏ 
2 الخطأ شرط ملازم للوجود (نيتشه) 0 
2 الخطأ شرط المعرفة (نيتشه) ا 
2 الحقيقة والخطأً (راسل) es‏ 
2 الحقيقة والقابلية للخطأ (بوب) e‏ 


2- حجج الشكاك (يوسف كرم) ا 
2 الأدلة العشرة للريبيين (حمادی بن حاب الله) ens‏ 





2 تعدد الحقائق بتعدد زوايا النظر (س. امريكوس) 12071 
2- الشك غاية في ذاته (سکتوس أمبريكوس) E‏ 
2 -_ جر بة الشك (الغزالي) يي O‏ 
2- الأشياء التي توضع موضع الشك (ديكارت) e‏ 


2- الوهم والخطأ (فرويد) E‏ 200 
2 الوهم كحقيقة جماعية (د.انزيو) 700000 


02 الحقيقة والكذب (ب. ريكور) ل 
3- النظرية التقليدية في الحقيقة 
3 رمز الكهف (أفلاطون) ا 
23 الحقيقة الدينية والحقيقة الفلسفية (ابن رشد) ES‏ 
3 - التصور التقليدي للحقيقة (هيدجر) A‏ 
3 مراحل النظرية التقليدية في الحقيقة (هيدجر) ل 
3- أربعة أغاط من نظريات الحقيقة (ب. ربل) 0 
3 المنطق كشرط سلبي للحقيقة (كنط) ل 
3 أساس التصور التقليدي للحقيقة (هيدحر) 11110 


3 الحقيقى هو المفيد (و. جيمس) ا ا 
3 الحقيقة من حيث هي صدق (ل. فتجنشتاين) as‏ 


4 تحولات مفهوم الحقيقة 
أ الحقيقة كقمة 79-85 ش**<ظ5( 


14 الحقيقة والوهم (نيتشه) e ODS AE‏ 
4 الحقيقة واللذة والخلا ص (نيتشه) سني تلام ارولو 


فهر 123 


4 الحقيقة والقوة (نيتشه) O SS RL A‏ 
4 المنظورية (نيتشه) دببب0010101 اا 
4- الحقيقة كحكم قيمة (هيدجر) ا و E‏ 
ب الحقيقة كانكشاف تن ع بن 1 اف و 
4 - فسحة في جنان الحقيقة (ريو) OO ER GEA‏ 
4 الحرية هي ماهية الحقيقة (هيدجر) O a‏ 
4- الحقيقة كانكشاف (هيدجحر) E‏ 
ج- النقد الإبيستمولوجي للحقيقة ERS a‏ 
4- نهاية الحقيقة المطلقة في العلم (أوللو) ا BR‏ 
4 - الصياغة المنطقية لمفهوم الحقيقة (ماليرب) SERS‏ 2 
4- ضرورة مفهوم الحقيقة وحدوده (بوبر) OT sites ad‏ 
د الإيديولوجيا والحقيقة OD e DEAS esa eR‏ 
4 الايديولوجيا والحقيقة (روبول) م ار 2 0272216 
4 الايديولوجيا والحقيقة (غابيل) A eh E‏ 
4 الاريديولوجيا والحقيقة : الفعل الإنساني (باريون) E Aaa‏ 
4 الاريديولوجيا والحقيقة (شاتلي) ا ا ا 1ه 
4 هل السياسة هي فن الخداع ؟ (ماكيافيل) OES‏ 
4- سقراط» الشجاعة وقول الحقيقة (م. فو كو) جع بجاو و 104 
ه_الحقيقة والسلطة ا LOO aia a sS RSS‏ 
4 سياسة المعرفة (الغزالي) OO Sse Esas N‏ 
14 إرادة الحقيقة (فوكو) EES‏ ا Tai So‏ 
4 الاقتصاد السياسي للحقيقة (فوكو) Sasa nala‏ 


4 هل الحقيقة من إنتاج السلطة (فوكو) 1 0 


يتضفهن كل حديت عن الحقيقة 
توثرا ضمنيابين الحقيقة (بصيغة المفرد 
وبألف لام التعريف) كمضمون واحد وثابت 
ومطلق, وبين الحقائق (الجزئية) من حيث 
هى قضايا جزئية أونسبية فى هذا الميدان 
أو ذاك. فى هذا العلم د ذاك (الحقيقة 
العلمية = الحقيقة البيولوجية = 
الحقيقة الفنية - الحقيقة فى ميدان 
العلوم الاجتماعية - في السياسة. إالخ) 


هه 


فى هذه الفترة / قل 1 


إمكان الحديث عن الحقيقة بمصوره عامة؟ 
هذه اة مشروعة و مطروحة 
فعلا في كل معالجة للحقيقة وهى 
تساعد على توضيح | اشكالية الحقيقة 
باستخدام معابير تسماعد على التميية: 
بين الحقيقة المطلقة والحقيقة 
النسبية. بين الحقيقة الدقيقة 
والحقيقة التقريبية. بين اة 
اليقينية والحقيقةه الترجيحية أو 
الاحتمالية أو الإحصائية, بين الحقيقة 
الكلية والحقائق الجزئية. بين الحقيقة 
المادية والحقيقةالصورية. بين الحقيقة 
العلمية والحقميقة الفنية والحقيقة 
الدينية....الخ. بين الحقيقة الذاتية 
لحه الموضوهية 5 أن هذه 
وسستوبات الجقيقة رشانها ا تساعدتابها 
يكفى على التعرف على مدلول الحقيقة 
إن لم نقارن مدلولها بمصطلحات قريبة 
منها وكثيرا ما تختلط بها كالعلاقة بين 
الحقيقة والواقع.والحقيقة و البداهة. 


الثمن 24 درهما